آليات التكيف الاقتصادي: كيف يتصرف الناس؟



تملك الدولة الأردنية ممثلة بالدرجة الأولى بنظامها السياسي واحدة من أطول الخبرات الإقليمية والدولية في إدارة الاستقرار، وواحدة من أكثر التجارب الهادئة في إدارة التحولات في الاقتصاد والسياسة والعلاقة مع المجتمع، ما يطرح السؤال هل لدينا تصور واضح حول كيفية مساعدة المجتمعات المحلية والأسر في التكيف الإيجابي مع التحولات الاقتصادية المنتظرة في ضوء الإجراءات الاقتصادية القادمة وما سيتبعها من موجات ارتفاع الأسعار السلع والخدمات.
لا يوجد لدينا تقدير موضوعي كيف ستكون عليه أحوال التنمية المحلية في ضوء ما ستؤول إليه الأوضاع الاقتصادية، وتحديدا في المحافظات وفي الأحياء الأكثر تهميشها وضعفا في المدن الكبيرة، للأسف تذهب انعكاسات الواقع الاقتصادي نحو تعميق ضعف نتائج التنمية المحلية، ونحو المزيد من التهشيم لفئات واسعة من المجتمعات المحلية التي ستواجه هذه الظروف بدون قدرات حقيقية على التكييف والصمود.
لقد راهنت نخب رسمية في ظروف اقتصادية سابقة متعددة على قدرة المجتمعات المحلية على التكيف مع ظروف تفاقم البطالة وزحف مساحات الفقر أو موجات ارتفاع الأسعار، وعادة كان التكيف مصدره ذاتيا أو سياسيا، وليس استجابة لبرامج اقتصادية اجتماعية، وبالنظر إلى التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها البلاد، يبدو واضحا أنه ومنذ العام 2009 أخذت مؤشرات التكيف مع الظروف الاقتصادية الصعبة تتراجع ببطء، وربما وصلت ذروتها في العديد من المناطق. منذ العام 2008 لم يدرس الفقر بشكل معمق في الأردن، ومنذ العام 2012 لم تجدد خرائط توزيع جيوب الفقر، في الوقت الذي تذهب التوقعات إلى أن جيوب الفقر تمتد اليوم لتصل أكثر من 30 لواء من أصل 51 لواء، بينما تنال الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية أكثر من 400 قرية وتجمع سكاني يزيد عدد سكانه عن خمسة آلاف نسمة.
إلى هذا الوقت لم نسمع أصواتا داخل الحكومة تدعو إلى تغيير سياسات التكيف التقليدية. لقد احتاجت الحكومات الأردنية أكثر من عقدين كي تعترف بعمق الفجوة التنموية واختلالات التنمية في المحافظات، ومن العبث إعادة الدرس مرة أخرى؛ ربما تكون هذه الفرصة الملائمة لإعادة تطوير سياسات التنمية من أجل مساعدة المجتمعات المحلية على التكيف الإيجابي مع الظروف الاقتصادية الراهنة والقادمة، إن الظرف الملائم يعني تصعيد الإرادة السياسية والمجتمعية لإحداث اختراق حقيقي يساعد الناس على العبور الآمن لهذه الظروف، نحن في أمس الحاجة لتطوير سياسات عامة جديدة في مجال تنمية المجتمعات المحلية، وربما هذه فرصتنا قبل أن تزداد الصعوبات تفاقما.
هناك ثماني محافظات تعاني ظروفا تنموية صعبة، ومنها أربع محافظات تحتاج أن تدخل في حالة طوارئ؛ عمليا لا يوجد في معظم هذه المحافظات مشروع اقتصادي واحد يعود للقطاع الخاص يستقطب أكثر من 50 عاملا وربما أقل، بالمعنى الاقتصادي لا يوجد قطاع أعمال حقيقي في هذه المحافظات، وتكاد تكون حصتها من الاستثمارات الوافدة معدومة، فيما حصة المجتمعات المحلية من الثروة الوطنية لا تكاد تذكر، رغم كل ما نعرفه من كونها مستودع الموارد الوطنية الاستخراجية والاستراتيجية والتاريخية.
ما نحن مقبلون عليه يتطلب خريطة جديدة للتنمية المحلية تساعد الناس على التكيف الإيجابي.