الحكومة مستثمر غير مبدع..


نفذت الحكومات المتعاقبة منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي والعقد الذي تبعه رزم من الخصخصة بالجملة وتخلصت الحكومات من تبعات الادارات الضعيفة لعدد غير قليل من الشركات في مقدمتها التعدين والاتصالات وباعت محفظتها في الاوراق المالية، وكان الهدف من وراء الخصخصة التخفف من خسائر تلك الشركات وتوظيف حصيلة بيع الشركات في خدمة الاقتصاد والمجتمع والاجيال القادمة، وإتاحة المجال واسعا امام القطاع الخاص المحلي والدولي، وبعيدا عن الخوض في الخصخصة ما لها وماعليها، كان المتوقع ان يتم تقليص القطاع العام وزيادة إنتاجيته وتحسين بيئة الاستثمار المحلي بما يحفز استثمارات القطاع الخاص المحلي واستقطاب استثمارات عربية واجنبية جديدة، الا اننا اليوم نجد ظروفا اقتصادية ومالية واجتماعية اكثر تأزما، فالمؤشرات الرئيسة للاقتصاد الاردني سجلت تراجعا مستمرا، ولم نبلغ النمو المنشود، وخلال السنوات القليلة الماضية نما الاقتصاد الاردني بنسبة اقل من نمو الاقتصاد العالمي من جهة كما لم يتجاوز معدل النمو السكاني من جهة اخرى، وتراجعت القدرات الشرائية للسواد الاعظم من المواطنين.
قرار مجلس الوزراء مؤخرا بتملك الشركة اللوجستية الأردنية ( مملوكة بالكامل للحكومة ) جميع المرافق النفطية والغاز المسال بالمملكة، وشمل القرار خزانات النفط والمشتقات النفطية المملوكة لوزارة الطاقة والثروة المعدنية، والخزانات في منطقة الماضونا، واضاف القرار الى ذلك شراء خزانات النفط والمنتجات البترولية المملوكة لشركة مصفاة البترول الاردنية، وسيتم تكليف بيت خبرة لتقييم الخزانات حسب القيمة السوقية لها، بينما استمرت شركات للقطاع الخاص في تملك خزاناتها العملاقة في العقبة الاقتصادية الخاصة.
هذا القرار يأتي تنفيذا لاستراتيجية الطاقة الوطنية، ولتعظيم منافع القرار لابد من مد انابيب لنقل النفط الخام والمنتجات من ميناء العقية الى جنوب وشرق عمان والى الشمال بما يخفض الفاقد جراء النقل بالصهاريج وتقليص تكاليف النقل والتأمين، وكبح الحوادث المرورية وحماية البنية التحتية لاسيما الطرق الدولية، وتسهل توصيل المنتجات البترولية الرئيسة الى مناطق التوزيع في محافظات الجنوب والوسط وشمال المملكة.
هذا القرار بعني إرجاء تنفيذ سياسات تحرير السوق ووضعه في يد الحكومة بشكل مباشر، وسيرتب ذلك تكاليف اضافية على الشركات الناشطة في السوق المحلي، وهنا لابد من اعتماد إدارة كفؤة وفعالة بحيث تدار «اللوجستية الاردنية» تجاريا بالكامل وان كانت ملكيتها للحكومة، ولإضفاء مصداقية للقرارات يفترض ان تسارع الحكومة الى تسديد مستحقات شركات القطاع في مقدمتها شركة مصفاة البترول الاردنية التي تطالب بتسديد مبلغ يزيد عن 510 ملايين دينار..القرار يعد سباحة بعكس تيار تحرير السوق بالرغم من المزايا التي يوفرها، والمأمول ان لا تقع الشركة في امراض الإدارات الحكومية للاستثمارات خلال العقود الماضية.