"صفقة" أميركا و"الإخوان"!

ثمة تحليلات تتناقلها أوساط سياسية وإعلامية، تحديداً ذات خلفية أيديولوجية يسارية وقومية، تجزم بوجود مؤامرة- "صفقة" سياسية بين الولايات المتحدة الأميركية وجماعة "الإخوان"، بوساطة تركية- حزب العدالة والتنمية، ذي الجذور الإسلامية.
هذه القراءة بدأنا نسمعها مع اشتعال الثورة السورية، بل لم يتردد بعض هؤلاء المثقفين والمسيّسين في العودة بأثر رجعي لما حدث في تونس ومصر واعتبار أنّ ما حدث، ويحدث، هو مخطط بقيادة أميركية بالتحالف مع "الإسلام المعتدل"، من خلال التلاعب بـ"الوعي الجمعي" للشعوب العربية، باستخدام "قنوات فضائية" ووسائل إعلامية متطورة.
الدلالة التي تتكئ عليها هذه القراءة تتمثل بتصريحات لوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، بفتح الحوار مع الإسلاميين، وبوجود اتصالات تجريها الولايات المتحدة مع قيادات إخوانية في القاهرة، ومحاولة إجراء اتصالات شبيهة مع "الإخوان" في دول عربية أخرى.
هذه التصريحات والتحركات الأميركية مهمة، وتمثّل نقطة تحول في السياسة الأميركية، لكنها ما تزال قيد الاختبار ومحاولة "جس نبض" الإسلاميين، ورؤيتهم للولايات المتحدة ومصالحها في المنطقة، وتحديداً ما يتعلق بإسرائيل وأمنها.
ما نزال، إذن، في مرحلة "التباين" في وجهات النظر داخل أروقة التفكير والقرار الأميركي، ولم يحسم الموقف من الإسلاميين، ولم تصل الأمور إلى مرحلة "الصفقة" أو التآمر – المزعوم- ضد النظام السوري أو الأنظمة الأخرى.
ومن المعروف أنّ هنالك وجهتي نظر في دوائر التفكير في واشنطن، تذهب الأولى إلى عدم القبول بأي حوار أو علاقة مع الإسلاميين، وبعدم التمييز بين "إسلام معتدل" و"متطرف"، وبالتعامل معهم كـ"تحد" للسياسة الأميركية. فيما تدافع وجهة النظر الأخرى عن وجود إسلام معتدل عقلاني يمكن الحوار معه، ولا يصطدم بالضرورة مع "المصالح الأميركية" في المنطقة.
تقليدياً، كان انحياز الإدارة الأميركية لوجهة النظر الأولى (المعادية عموماً للإسلاميين). إلاّ أنّ الثورات الديمقراطية العربية ردّت الاعتبار لوجهة النظر الثانية. وقد أقيمت في الكونغرس جلسة استماع لخبراء في الإسلام السياسي، أبرزهم روبرت ساتلوف (المعادي للإسلاميين)، وناثان براون (من التيار الثاني)، مع اندلاع الثورة المصرية لتحديد الموقف من جماعة الإخوان المسلمين.
بالرغم أنّ الفريق الثاني يدعو إلى فتح حوار مع "الإسلام المعتدل"، إلاّ أنّ هنالك شرطاً رئيساً ما يزال يقف أمام هذا الحوار أو أي تفاهم مستقبلي، بالرغم من إعلان الإسلاميين الإيمان بالديمقراطية والتعددية وتداول السلطة.. وهو القبول بإسرائيل، إذ ما تزال الحركات الإسلامية ترفض الاعتراف بها، ولا نتوقع أن يحدث تغيير في هذا الموقف، إلاّ بالتنسيق مع حركة حماس.
ما حدث إلى الآن هي محاولات من مسؤولين وخبراء أميركيين للتعرف عن قرب على مواقف "الإخوان"، ودراستها، فقط، فيما ما يزال هنالك تباين في وجهات النظر حتى داخل الحركة الإسلامية، بين من يرى إمكانية فتح الحوار لمواجهة "الفيتو" الأميركي عليهم، ومن يرفض ذلك بسبب مواقف الإدارة الأميركية.
الإدارة الأميركية تتعامل مع "موازين القوى" على أرض الواقع، وموقفها مما يحدث ليس مرتبطاً بـ"صفقة" الإسلاميين المزعومة، وإنّما بقناعة نضجت منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وجوهرها بأنّ النظم العربية بحالتها الراهنة لم تعد قادرة على البقاء والاستمرار، وأنّه لا بد من البحث في البدائل الأخرى.
من رحم تلك القناعة ولدت مبادرة "الشراكة الأوسطية"، لكن المنظور الأمني التقليدي عاد وتفجّر مع فشل المحافظين الجدد في العراق، قبل أن تردّ ثورة الربيع الديمقراطي العربي الاعتبار، مرّة أخرى، لفرضية "موت النظام الرسمي العربي".