الشخصية الأردنية .. تحولات في المزاج العام!!

 


 


لا يوجد لدينا دراسات معتبرة عن الشخصية الأردنية حتى أدعو "المسؤولين" في بلادنا الى قراءتها والتأمل فيها، لكن من اختلاطنا في الناس، وخاصة في الشهور الماضية، اعتقد بان ثمة تحولات قد طرأت على شخصية الاردني ولدت لديه مزاجا عاما لا يختلف كثيرا عن مزاج اشقائه العرب الذين يتابع حراكاتهم واخبارهم ساعة بساعة.

في نهاية السنة الراحلة انتهى عدد كبيرة من اساتذة علم الاجتماع وعلم النفس في مصر من اعداد تقرير طويل حول "اوضاع الشخصية المصرية" وكانت السمات التي توصلوا اليها لا تختلف كثيرا عن تلك التي ذكرها ابن خلدون وتلميذه المقريسي قبل 600 عام، ابتداء من "الفهلوة" الى"الاذعان للسلطة" القاهرة الى "الاضطراب والتناقض" الى الخوف والعجز وما شئت من السلبيات التي "تخيّل" هؤلاء بأنها "قدر" المصريين الذي طبع شخصيتهم منذ القدم..

بعد شهر على قيام "الثورة" اجتمع العلماء ذاتهم مرة اخرى، وحين اعادوا النظر في الموضوع استدركوا خطأهم وقدموا اعتذارا عن "سوء" تقديرهم ثم اشهروا تقريرا مفصلا عن سمات هذه الشخصية كما برزت في ميدان التحرير وفي السويس والاسكندرية وغيرها من النجوع والارياف، وهي –بالطبع- سمات مختلفة حد التناقض عن تلك التي ذكروها قبل ان يفرز المصري افضل ما فيه، او قبل ان تعود شخصيته الى طبيعتها وتتحرر من "القيود" والضغوط التي طوقتها ومنعتها من التعبير عن نفسها كما هي.

شخصية الاردني لا تختلف كثيرا عن شخصية المصري وان كان ثمة اختلاف فهو في الدرجة لا في النوع بمعنى ان "الطاقة" التي تحرك الانسان العربي في مصر هي ذاتها الطاقة التي تحركه هنا وفي كل بلداننا العربية كما ان سمات مثل الهدوء والتحمل والصبر وطول النفس والرضا والقناعة والغضب عند الاستفزاز والازدواجية في المواقف احيانا، وغير ذلك من السمات تبدو مشتركة ايضا لكن ما يميز الشخصية الاردنية انها لا تجيد "الفهلوة" ولا تتقن فنون "الاذعان" ولا تقبل "الاوامر" غير المفهومة وبالتالي فهي صاحبة مزاج "متقلب" قلما يعتدل وتميل الى الاعتزاز "بالكرامة" كمعيار للتعامل مع ذاتها ومع الآخرين، ولا تصبر على الظلم ابدا، واذا كان ثمة مفتاح لها فهو مركب من "الرضا والعناد".

نحتاج اليوم –بالتأكيد- الى فهم شخصية الاردني وما جرى عليها من تحولات لكي نعرف كيف نتعامل معه ونحتاج الى "رصد" مزاجه العام وما تعرض له من تقلبات لكي تختار الوقت والاسلوب واللهجة التي يمكن ان نخاطبه بها، وانا لا امزح هنا، وانما اتكلم في "العلم" والذي لا بد ان اخواننا اساتذة علم الاجتماع السياسي يعرفونه تماما.

سأترك الشرح للمختصين، ولكنني اعتقد ان اكبر اهانة تمس مشاعر الاردنيين هي اتهامهم "بالتقليد" بمعنى ان ما يفعلونه ليس نابعا من وعي شخصي ولكن "استتباعا" لما يقوم به آخرون، في حين ان شخصية الاردني في الاصل "ابداعية" وترفض التبعية والانقياد.. كما ان اتهامها "بالسلبية" او العجز او قلة الحيلة او قبول الامر الواقع او غير ذلك من السمات التي تتعارض مع طبيعتها هو دليل على اننا لا نفهم الشخصية الاردنية على حقيقتها وبالتالي نتعامل معها على اساس من التشخيص الخاطىء الذي يفضي –بالضرورة- الى معالجات خاطئة وخطيرة ايضا.

باختصار، ارجو من "الفاعلين" في مجال القرار السياسي ان يستعينوا بعلماء الاجتماع لفهم شخصية المواطن الاردني لكي لا يخطئوا في الرهان على صبره او طول "باله" او صمته او غير ذلك من السمات التي تطفو على السطح، فيما السمات الحقيقية ما تزال بحاجة الى "حفر" عميق او بانتظار وقت ما لتعبر عن نفسها وهي في الاغلب لا تختلف عن سمات غيره من الناس في بلداننا العربية التي اخطأت في تقدير مواقف شعوبها او "فهم" ما اضمروه وما اعلنوه من مطالب.