أيها الحكام: نخشى أن يفوتكم القطار

أيها الحكام: نخشى أن يفوتكم القطار

بقلم: محمد سلمان القضاة

سنبقى نكرر القول للطغاة المستبدين والقمعيين من الحكام العرب، كما في اليمن وسوريا وليبيا، إن دماء الشهداء من أبناء وبنات الشعوب العربية الثائرة لن تضيع هدرا، ولعل لهم في ما يواجهه كل من الرئيس المصري المخلوع وبقايا نظامه عبرة في ما يحاكمون على ما اقترفته أيديهم بحق الشعب المصري على مدار عقود، ومثلهم الرئيس التونسي  المخلوع زين العابدين، ثم ها هو الشعب المصري الأبي العظيم يخرج مجددا بالملايين للتأكيد على حقوق دماء الشهداء التي لا تضيع، وللاقتصاص لهم من قاتليهم أجمعين.

و لنبدأ هذه المرة بالعم علي عبد الله صالح، فلقد أطل علينا عبر الشاشة للمرة الثانية، حيث بدا في الأولى مرهقا منهكا محترقا يرتدي كوفية حمراء، وكأنه يود أن يذكّر العالم بالدماء التي أمر قناصته بسفكها في ساحة التغيير في الجمعة الدامية 18 مارس/آذار 2011 مما أسفر عن مقتل العشرات بطلقات في الرأس أو الرقبة أو القلب أو في مناطق أخرى.

والعم صالح بدا في إطلالته الأولى -بعد محاولة اغتياله- ضعيفا مكفهر الوجه ومعصوب اليدين، حتى ظن الناس للوهلة الأولى أنه قادم ليقدم اعتذاره الكبير الأكيد لأبناء وبنات الشعب اليمني العريق ولأمهات الشهداء ولذويهم في كافة أنحاء البلاد، ولكنه لم يفعل.

 

الرئيس اليمني الذي يصفه اليمنيون الثائرون بالرئيس المخلوع يأبى إلا تمسكا عجيبا بالكرسي وبأرجل الكرسي حتى وإن انفجر به الكرسي أو انكسرت قوائمه، برغم أنه لم يستطع النجاه بجلده وريشه من لظى الثورة الشعبية الملتهبة غير مشعوط أو ممعوط، ومع كل ذلك، فهو يصر على الإيحاء بأنه لا يزال رئيسا، ولكن رئيس على من؟! فالشعب اليمني العظيم رفضه جملة وتفصيلا، والشعب اليمني العريق أقسم أن لا عودة عن الثورة وإسقاط النظام، فأيهما أبقى يا ترى الشعوب أم الحكام وخاصة الظالمون منهم والقمعيون والمستبدون؟!

 

أيها العم علي عبد الله صالح، ارحل، فالشعب اليمني لا يريدك رئيسا، والشعب اليمني الأبي -ممن وصفتهم بقطاع الطرق- أطلق صرخة مدوية أسمعت من به صمم، وقال عاليا "الشعب يريد إسقاط النظام"، وانتقل منه إلى القول "الشعب يريد مجلسا انتقاليا". إذاً، هلم يا عمنا لملم جراحك وارحل أيها الرئيس المتمسك بكرسي مهترئ، فكفى اليمن العريق تخلفا وفقرا وتأخرا في عهدك على مدار عقود، وكفاك تلاعبا بالألفاظ، فالشعب اليمني يستحق رئيسا جديدا منتخبا يأخذ بيده إلى بر الأمان وإلى العدالة والديمقراطية الحقيقية، عبر الشفافية، كبقية دول العالم المتحضر.

ارحل يا صالح وخذ معك أولادك وبقية أزلام نظامك المهترئ من كل المواقع، فالشعب اليمني سيحاسبكم جميعا، أنتم ومن لف لفكم، أنتم ومن تلاعب بمصير مستقبل الشرفاء والأكارم من من أبناء وبنات الشعب اليمني العريق. ارحل فبدونك يكون الوطن أحلى ويكون اليمن السعيد أكثر سعادة.

وأما إطلالتك الثانية مع المسؤول الأميركي، فلا تدل إلا على خزعبلات وألاعيب مكشوفة، فالشعب اليمني الثائر لم يعد يلتفت لألاعيب من هنا أو تلاعبات من هناك، والشعب اليمني الثائر بملايينه لا يريد من أي جهات رسمية أميركية أو عربية أو غير ذلك أن تتدخل في شؤون الثورة الشعبية الملتهبة والمصممة على إسقاط النظام وإخراج  البلاد من ظلمات الفقر والحرمان والبؤس إلى مسقبل مضيئ مشرق أفضل.

والشعب اليمني يقول لا كبيرة لأي مبادرات من هنا أو هناك، فمحاولات كسب الوقت والالتفاف على الثورة باتت أمور مرفوضة، فلا سياسي داخلي ولا متنطح خارجي يحق له محاولة وضع العراقيل أمام الشباب والشعب الثائر من اليمنيين واليمينات الأبطال والكريمات الماجدات، أبدا، وليس بعد اليوم، فالشعب اليمني شعب ذكي ويدرك تماما كل ما يدور حوله، وخاصة من بعض الأشقاء في  الجوار!

وأما الأسد الصغير في سوريا الحبيبة، فيبدو أنه أسقط نفسه بنفسه في الفخ في الأدغال، فهو ربما أخذ على مبدأ الصدق والواقعية التقارير التي يوردها إليه من هم يتخبطون حوله، والتي تقول إنه يمكن قمع بعض العشرات أو المئات أو حتى الآلاف من "المندسين"، و"المخربين"، و"المتآمرين ضد سورية الأسد! مرة واحدة وإلى الأبد!

ولكن الأسد الصغير تفاجأ أن الشعب السوري العريق خرج كله إلى الشارع بقضه وقضيه، وأن الشباب من السوريين الأبطال والسوريات الكريمات الماجدات قالوها، لا كبيرة، جهارا نهارا للأسد الابن. وبدلا من الخروج والاحتجاج السلمي في كل جمعة في درعا أو حماة أو غيرهما من المدن والأرياف السورية الماجدة، فالشعب السوري العريق صار يخرج كل يوم وفي كل ليلة وفي شتى أنحاء البلاد، وأعلنها ثورة شعبية ملتهبة ومستمرة، وتطالب بوضوح وبأعلى الصوت "الشعب يريد إسقاط النظام"، وأعلنوها بصراحة أكثر لبشار الأسد بالقول "ما منحبك، ما منحبك، ارحل عنا انت وحزبك".

هذه الشعارات التي رفعها الشعب السوري  العريق الثائر بحد ذاتها، كفيلة بأن تجعل الأسد يحمل ما خف حمله ويرحل هو وزبانيته، أو بلغة ألطف هو وشبيحته، فالشعب السوري أبدا لن يتراجع بعد اليوم، فهو يريد أن ينقل البلاد من الجمود والظلم والفقر والقهر والاستبداد إلى الحرية والديمقراطية الحقيقية، أسوة بمن خلق الله من أبناء وبنات الشعوب المتحضرة الأخرى!


أيها الأسد الصغير، اعلم أن ما كان متوفرا لأبيك الأسد الأكبر، لم يعد متوفرا اليوم لك، فلا التعتيم ولا القمع ولا القهر ولا الذبح ولا القصف بالطائرات ولا كل الأساليب الهمجية البربرية الدموية النازية التي اتبعها والدك ضد أهل مدينة حماة الأبية الشامخة في ثمانينيات القرن الماضي عادت لتفيدك أو تأخذ بيدك، ولا عاد بمقدورها ولا بمقدورك قمع أحفاد الشهداء الذين قتل أبوك أجدادهم في حماة وغير حماة في غفلة من الشعب السوري العظيم الأبي.

 

ومهما قتلت أيها الأسد الصغير أو عذّبت أو كسّرت من رقاب صغار الأطفال أو كبار الشيوخ أو اقتلعت من أظافرهم أو دهستهم بدباباتك التي لا ترحم أو اعتقلتهم بعشرات الآلاف، فإنك لن تستطيع إلى إرادة الشعب السوري قهرا أو ليّا، فالشعب الأبي أعلنها ثورة شعبية ملتهبة مستمرة حتى إسقاطك وإسقاط نظامك القهري الظلامي الدموي إلى الأبد.

 

ثم ألا يكفيك أيها الأسد الصغير أن كل الشعب السوري سجناء لعشرات السنين حتى توارثهم حراس السجون من أبيك حتى وصلت إليك؟! ويعني بلغة أخرى فحتى لو اعتقلت الملايين، فلم يعد يفيدك ذلك شيئا، فاجلس القرفصاء أيها الأسد الصغير، يعني على رجليك الخلفيتين فقط، وفكر قليلا، فسرعان ما تدرك أن الشعب السوري أقسم على أن لا يتراجع حتى يحقق مطالبه وحتى تنتصر ثورته، وبالمناسبة فهي منتصرة! فهكذا تقول الأواني  المستطرقة! وهكذا يرى المراقبون!

ثم ألم يأتك الدرس الدبلوماسي من جانب السفير الأميركي الذي تجول في طول البلاد وعرضها؟! وخاصة في جمعة سماها الشعب السوري الثائر "جمعة لا حوار". وأما السفير الفرنسي، فلا داعي للتعليق على زياراته الميدانية؟! أيها الأسد الصغير، يا طبيب العيون، ضع عدساتك الأخرى، وانظر بنفسك، ولا تنظر من منظار الآخرين الذين يتخبطون من حولك، فهم لو كانوا يريدون لسوريا صلاحا وإصلاحا، لكانوا أشاروا عليك من الوهلة الأولى بجملة الإصلاحات كلها دفعة واحدة، ومع أول مطلب من مطالب الشعب الثائر؟!! وبالطبع فالحديث عن الماضي لم يعد يجدي، فعند توليك الرئاسة بالوراثة في تسعينيات القرن الماضي، قام المعنيون في أقل من ربع ساعة بتعديل  الدستور حتى تقبل بك بنوده من حيث العمر، فكنت أنت قد أمضيت من العمر فقط 34 عاما ولم تكن تبلغ الأربعين حولا!

 

 ولكن من أجل عينيك، فلتتعدل الدساتير أو فلتذهب الدساتير إلى الجحيم، ولكن في المقابل، فرفع قانون الطوارئ القديم المهترئ عن كاهل الشعب السوري العظيم يحتاج منك أو ممن هم حولك شهورا ولم تفعلوا شيئا، ولن تفعلوا شيئا، عجباً، فكل هذه المماطلة غير المدروسة أتت أكلها عكسيا وبشكل سلبي، حتى تزايدت مطالب الشعب الثائر جمعة بعد أخرى. فارحل أيها الأسد الصغير فالخطايا بسبب دماء الأطفال مثل الطفل الشهيد حمزة الخطيب أو غيره تلاحقك ليلا نهارا كالكوابيس، وأما تعذيبك الأطفال واقتلاعك أظفارهم وكسرك رقابهم فلم يثني أطفال سوريا الأبطال عن مد الثورة بمزيد من الدماء الزكية الندية النضرة، فهي لم تعد تخشى أنياب الأسود أو القسورة!! عجبا!! إذا، أيها الأسد الصغير، لم لا تستسلم، فلقد ولى زمانك وانتهى عهدك. نقطة. سطر جديد. فاتك القطار!

 

وأما من يصفونه بالوحش الآدمي المختبئ في وكره فلم يعد يجروء على الخروج بعد أن غرس أنيابه عميقا في الأجساد الطاهرة لأهالي مدينة الزاوية الليبية الأبية وبعد أن أنشب مخالبه في الأجساد الطاهرة لأهالي مدينة مصراته الصامدة، فلم نعد نراه، ولكنا نسمع أحيانا صوتا أقرب إلى صوته يحاول أن يهدد به أوروبا والعالم، وربما "سيزحف عليها بالملايين، عاصمة عاصمة وشعبا شعبا وزنقة زقة وفردا فردا"، كل ذلك، وهو يختبئ في جحره، فعجبا!

فأين هي أفاعاليك وعنترياتك أيها العقيد القذافي؟!! وأين ربة الشعر عنك يا صاحب الكتاب الأخضر المحترق المهترئ؟! عجبا لعميد القادة العرب، لا يزال يحاول أن يُضحك الناس، وشر البلية ما يُضحك! ولا يزال يحاول أن يضحك على عقولنا كما ضحك على عقول أبناء وبنات الشعب الليبي العظيم لأكثر من أربعة عقود، عبر خزعبلاته وبالحديد والنار والقمع والظلم والاستبداد؟!! فدماء شهداء سجن "أم سليم" لا تزال تلاحقك وتلاحق بقايا جلاوزة نظامك المهترئ أيها العقيد، يا "أبا المجد وأبا التاريخ"، فأنت اليوم "في القاع في الوكر في الجحر"، تماما كما وصفك الشعب الليبي العريق من أحفاد المختار!! ولكنها عليك قد دارت الدوائر!! زنقة زنقة وكرا وكرا جحرا جحرا، وها هم الثوار على مشارف طرابلس الشامخة بعد أن تحول وكرك فيها في باب العزيزية إلى دمار.

أيها العقيد، الشعب الليبي الثائر من الأبطال والكريمات الماجدات أقسموا على أن يسقطوا بقاياك، وأن يتخلصوا من الظلم والقهر والقمع والاستبداد وينتقلوا إلى الحرية والديمقراطية الحقيقية أسوة بباقي  الخلائق من أمم الأرض. وأما أنت فسلم نفسك للعدالة الليبية أو  الدولية. أيهما شئت، نقطة. انتهى عهدك. سطر جديد. وفاتك القطار!

أيها الحكام العرب، استيقظوا وراجعوا أنفسكم، فالشعوب إذا تحركت لا يوقفها لا حديد ولا نار، ودونكم دبابات الأسد التي لم تعرف للجولان أرضا ولا طريقا، ومعها دبابات الحرس الجمهوري لمبارك ودبابات الكتائب الأمنية للقذافي أو تلك التي لعمنا صالح، فكل تلك الدبابات ومعها الطائرات وراجمات الصواريخ لم تجدي لهم نفعا!

إذاّ، فلتتحقق مطالب الشعوب العربية الكريمة العظيمة الأبية المطالبة بالإصلاح وبالحرية وبالشفافية وبالعدالة الاجتماعية والسياسية وبالديمقراطية الحقيقية، وليختر الحكام العرب حواشي تقدم لهم النصيحة وإن كانت مرّة، فلا تخدعهم، وليخلوا الحكام العرب إلى أنفسهم وليتفكروا في الأمانة التي حملوها.

 

كل ذلك، قبل أن يفوتهم القطار كما فات نظرائهم من حولهم. فالشعوب المقهورة المظلومة المكبوتة الجائعة البائسة لم تعد تطيق على كل ذلك صبرا، وهي بالتأكيد في النهاية هي المنتصرة وهي الباقية!

إعلامي/أردني مقيم في دولة قطر.


رابط الصورة الشخصية لكاتب المقال:

http://store2.up-00.com/Jun11/DsE45521.jpg