الرئيس يكذب خمس مرات في اليوم



من أغرب إحصاءات نهاية العام ما توصل اليه موقع التحقق من الأخبار والادعاءات السياسية التابع لصحيفة الواشنطن بوست والمسمى Fact Checker الذي أحصى 1905 أكاذيب او ادعاء سياسي مضلل اطلقها الرئيس الاميركي دونالد ترامب خلال عامه الاول في البيت الابيض اي بمعدل 5.5 كذبة في اليوم الواحد ونحو 158 كذبة في كل شهر، وهو ما لم يفعله زعيم آخر في العالم لا في الدول الديمقراطية ولا الدول غير الديمقراطية، ولم يفعله رئيس أميركي من قبله أيضا.
عبر التاريخ كان السياسيون يكذبون بالطول والعرض وكانت المؤسسات الرسمية تكذب وتمارس التضليل، لكن لم يشهد التاريخ المعاصر أن تدار السياسة الداخلية بهذا الحجم من التضليل، كما هو الحال في سلوك رئيس أكثر دولة تأثير في العلاقات الدولية.
خلال المائة يوم الاولى من حكم ترامب في البيت الابيض توصل فريق صحيفة الواشنطن بوست الى رصد 492 تصريحا او تغريدة تنطوي على ادعاءات كاذبة، ما دفع الصحيفة الى تطوير مشروعها في رصد الاكاذيب السياسية التي يدلي بها الرئيس وافردت موقعا خاصا للتدقيق على تصريحات الرئيس وتغريداته يصدر كل أسبوعين إحصائية موثقة وبالرسم الانفوجرافكي توضح أبعاد هذه الظاهرة. والملاحظة التي دفعت الإعلام إلى رصد اكاذيب الرئيس ان هذه الظاهرة تنمو وتزداد، فقد وصل معدل اكاذيب الرئيس الى 4.9 كذبة ثم تنامى ووصل الى 5.5 كذبة كل يوم، ورصد نحو100 كذبة خلال آخر ثلاثة اسابيع من الشهر الماضي.
نيفيل تشامبرلين، رئيس وزراء بريطانيا العظمى وادولف هتلر الزعيم الالماني قادا العالم الى اسوأ حرب في التاريخ، كان الزعيمان يتبادلان الأكاذيب لكنّ أكاذيب وتضليل هتلر كانت الاقوى؛ ففي العام 1937 وقّع الطرفان اتفاقية هدنة عدّت واحدة من اكبر اكاذيب التاريخ حينما هاجم هتلر بولندا واحتلها وأشعل الحرب الكبرى. كان نيكيتا خروشوف قد صاغ وأذاع سلسلة من الاكاذيب حول صواريخ كوبا في العام 1962 التي قادت للازمة المعروفة، فيما شكلت الادارة السياسية والإعلامية لحرب فيتنام سلسلة من الاكاذيب وتحديدا لدى الرئيس ليندون جونسون وفريقه. لقد فرض على القادة واحيانا وسائل الإعلام بث اخبار سارة عن انتصارات وهمية الى حين كشفت وسائل الإعلام المستقلة حقيقة ما حدث، في ذلك الوقت كان القادة العرب السياسيون والعسكريون ينشرون الاكاذيب عن انتصارات وهمية في الحرب العربية الاسرائيلية 1967، في المقابل مارس القادة الاسرائيليون اكاذيب من نوع اخر على حليفتهم الولايات المتحدة حينما دمروا سفينة التجسس الاميركية في البحر الاحمر وقدموا اعتذارهم على اساس ان ذلك وقع بالخطأ، لتكشف الوثائق فيما بعد ان القادة الاسرائيليين هم من قرر ضرب السفينة الأميركية من اجل الإيهام بان مصر فعلت ذلك لدفع الولايات المتحدة لدخول الحرب الى جانبها.
بعد ذلك بسنوات قليلة دخلت الولايات المتحدة في دوامة الفضيحة الشهيرة وترغيت واكاذيب الرئيس نيكسون التي دفعته للاستقالة. في العقد التالي أديرت المصالح السياسية الاميركية عبر مسلسل من الاكاذيب في عهد رونالد ريغان التي وصلت الى فضائح كونترا إيران. وفي العام 1986 صدم العالم بحادث التسريب النووي في تشيرنوبيل ومارس القادة السوفيت آنذك تضليل العالم عن حقيقة ما يحدث. ومن الاشكال الاخرى للاكاذيب ما حدث العام 1998، حينما أثارت وسائل الإعلام والجمهوريون البارزون جدلا حول علاقة كلينتون مع مونيكا لوينسكي المتدربة الصغيرة في البيت الأبيض، حيث كذب الرئيس حول طبيعة تلك العلاقة، وصولا إلى واحد من اكبر مسلسلات الاكاذيب التي مارسها الرئيس جورج بوش الثاني وادارته حول ادعاء امتلاك العراق لاسلحة استراتيجية، ما قاد الى تضليل العالم وغزو العراق وحرب حقيرة.
عالم السياسة عبر التاريخ مملوء بالأكاذيب ولا نستغرب كيف استخدم السياسيون الأكاذيب منذ كذبة حصان طروادة الشهيرة في ادارة المصالح، وكثيرا ما قادت الأكاذيب إلى حروب او فضائح، ولكن الغريب ان الرئيس الجديد في البيت الابيض يكذب على الفارغ والمملوء وبمناسبة وبدون مناسبة، ولا ندري الى اين ستقود هذه الأكاذيب!