البشير وأردوغان ... فرص تقارب أبناء الإسلام السياسي


 
تزامناً مع انتعاش محتمل وتداعيات إيجابية محتملة للاقتصاد السوداني تتمثل في تدفق الاستثمار الأجنبي بفعل رفع العقوبات الأميركية عنه، جاءت زيارة الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان الخرطوم، لتقوية العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وفتح آفاق جديدة للمحور القطري- التركي.

 

 

والعلاقة بين أنقرة والخرطوم شهدت نقلة نوعية منذ مجيء حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002، وتكشف مؤشرات عدة إلى ذلك، أوّلها انتقاد رجب طيّب أردوغان اتهام الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الرئيس السوداني عمر البشير بارتكاب جرائم حرب في دارفور. كما شكّكت أنقرة في تقارير دولية تنتقد ملف الحريات وحقوق الإنسان في السودان. ولذلك، سمحت الخرطوم عام 2009 للمواطنين الأتراك بدخول البلاد من دون تأشيرات في إطار تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين. وحملت زيارة أردوغان الخرطوم أهمية خاصة للبلدين لاعتبارات عدّة، منها موافقة البشير على منح تركيا حق إدارة ميناء سواكن الأقدم على البحر الأحمر. وتحقّق هذه الخطوة لتركيا سيطرة صلبة على منطقة نفوذ جديدة ومؤثرة في البحر الأحمر ناهيك عن كونها تحمل دلالة رمزية تتعلق باستعادة أمجاد الدولة العثمانية. وتبرز هنا، تصريحات أردوغان عشية زيارته الميناء، إذ قال: «طلبنا تخصيص جزيرة سواكن لوقت معين لنعيدها إلى أصلها القديم والرئيس البشير قال: نعم». واستخدمت الدولة العثمانية جزيرة سواكن مركزاً لبحريّتها في البحر الأحمر، فضلاً عن أنها كانت مقر الوالي العثماني لمنطقة جنوب البحر الأحمر بين عامى 1821 و1885.

 

 

ويرتبط الاعتبار الثاني بتصاعد التعاون الاقتصادي، وظهرت ملامح التقارب في 23 أيار (مايو) 2017، عندما حصلت الخرطوم على تعهدات من الاتحاد التركي للاستثمار العقاري والتجاري لبناء 20 ألف وحدة سكنية، إضافة إلى توقيع اتفاقية بين البلدين في نيسان (أبريل) الماضي، تنصّ على تبادل الخبرات في مجال البناء والمقاولات، وتقديم التكنولوجيا وتقنيات البناء الحديثة إلى السودان التي تعاني فجوة سكنية بنحو 2,5 مليون وحدة.

 

 

ووصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى نحو 500 مليون دولار، بينما بلغ حجم الاستثمارات التركية في السودان نحو بليوني دولار بين عامي 2000 و2017، فضلاً عن 288 مشروعاً استثمارياً تركياً في السودان. ويشار إلى أن نحو 200 رجل أعمال تركي وممثلي شركات تركية شاركوا ضمن الوفد المرافق لأردوغان، ناهيك بتعزيز الشراكات الاقتصادية بين البلدين في مجال الاستثمار.

 

 

والاعتبار الثالث أن هذه هي الزيارة الأولى من نوعها لرئيس تركي منذ عام 1956. ولأن تركيا أردوغان تمثل في الوعي الرسمي السوداني صاحب المرجعية الإسلامية، نموذجاً إسلامياً ناهضاً للتنمية، فقد منحته جامعة الخرطوم درجة الدكتوراه الفخرية.

 

 

وراء ما سبق، فإن هذه الزيارة، في الاعتبار الرابع، تأتي وسط توتر إقليمي ودولي في علاقات البلدين لا تخطئه عين، فضلاً عن تراجع موقع وموضع أنقرة والخرطوم في الإستراتيجية الدولية، فالاتحاد الأوروبي قام بتجميد مفاوضات عضوية تركيا قبل نحو عام، بينما الصورة الذهنية للخرطوم ما زالت محل ريبة لدى القوى الدولية، وفي الصدارة منها واشنطن التي ربطت تحسيناً شاملاً للعلاقة مع الخرطوم بمدى تقدّم دورها في مكافحة الإرهاب وحفظ السلام. ولذلك لم يخل قرار واشنطن تجاه نظام البشير من لغة التهديد من خلال الإعلان أن واشنطن مُستعدة إلى فرض عقوبات مرة أخرى مُحددة الأهداف، إذا حادت الحكومة السودانية عن استمرار التعاطي بإيجابية مع ملف محاربة الإرهاب.

 

 

وترتبط بالاعتبار الخامس رغبة البلدين في تعزيز التعاون العسكري والاستخباراتي، لا سيما أن السودان يمتلك منظومة صناعات دفاعية وعسكرية يسعى إلى تطويرها، ناهيك بأن العلاقات العسكرية قطعت شوطاً معتبراً على صعيد التقدم منذ عام 2013، عندما صادق الرئيس التركي آنذاك، عبدالله غول، على قانون ينص على اتفاق إطاري مع السودان في شأن التدريب العسكري والتعاون التقني والعلمي للقوات العسكرية بين الخرطوم وأنقرة. وفي حزيران (يونيو) 2014، استقبلت السودان أربع سفن حربية تركية على متنها 700 فرد تنتمي إلى مجموعة البارجة التركية «بارباروس» التابعة لقوات البحرية التركية، وذلك في ميناء بور سودان أحد المنافذ المهمة للسيطرة على الوضع في البحر الأحمر.

 

 

غير أن ثمة معوقات ما زالت تقف حجر عثرة أمام تحقيق تقارب أبناء الإسلام السياسي في أنقرة والخرطوم، ومنها ضعف العلاقات الاقتصادية، وضعف انخراط السودان في قضايا الإقليم، وبخاصة تلك التي تشكل أولوية على أجندة السياسية الخارجية التركية، وضمنها الأزمة السورية.

 

 

في المقابل، إن رفع العقوبات عن السودان لا يعني نجاحها في تحسين صورتها في الوعي الجمعي الدولي، فما زالت السودان تقع ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب، ولعل ذلك قد يجعل أنقرة أكثر تروياً في بناء تحالف استراتيجي مع الخرطوم، خصوصاً أن ثمة اتهامات ما زالت تلاحق أنقرة بعلاقة لها مع التنظيمات الراديكالية في سورية والعراق، ومنها «داعش».

 

 

على صعيد ذي شأن، فإن المتغير الإقليمي يقف شوكة في خاصرة العلاقة بين البلدين، فأنقرة والخرطوم لديهما علاقات متوترة مع القاهرة ناهيك بفتور العلاقة مع المحيط الخليجي، وهو ما يجعل حسابات التقارب بينهما أكثر تشابكاً وتعقيداً.

 

 

في المقابل، يلعب متغير الداخل دوراً لا تخطئه عين في العلاقة بين البلدين. وتبرز، هنا، مطالبة أحزاب المعارضة السودانية، وفي الصدارة منها حزب الأمة، الرئيس أردوغان عشية زيارته للخرطوم بالاعتذار عن «الإرث السيئ» للدولة العثمانية وما سببته من أذى في السودان. وأضاف حزب الأمة في بيان له: «الدولة العثمانية أهدت العالم الإسلامي إلى دول الاستعمار بأبخس الأثمان».

 

 

القصد أن زيارة الرئيس التركي الأولى من نوعها للسودان قد تلعب دوراً في إعطاء دفعة للعلاقات الاقتصادية والتجارية، وتستند تركيا في ذلك إلى تعاظم استثماراتها في الخرطوم، وكذلك دور معتبر للوكالات الإنسانية التركية، أبرزها «تيكا» التي تنفذ مشروعاً لترميم الآثار العثمانية في منطقة سواكن، فضلاً عن دور تنموي لها في مناطق الصراعات في السودان. لكن تظل فرص إحداث تحالف سياسي محدودة في ظل تراجع وضعية البلدين، وتأثير متغير الإقليم على مشهد العلاقة، علاوة على صعود نبرة عدائية في الداخل السوداني ضد تركيا.

 

 

 

 

 

 

 

 

* كاتب مصري

 

 

للكاتبTags not available