كَلَّ مِنكم الأَرْدُنُّ ومَلّ...!

كَلَّ مِنكم الأَرْدُنُّ ومَلّ...!

 

يصرُّ ساستنا المُخضرمون على ممارسة الحديث عن مستقبل البلاد والعباد في أي فرصة لاحت أو لحظة شاحت وهم قد عاشوا معنا الماضي والحاضر ولا زالوا يصرّون على أن يعيشوا معنا المُستقبل!

 

أيّها السّاسة المخضرمين؛ ربّ منصبٍ يقول لصاحبه دعني، وربّ مسئوليّة تقول لرئيسها طلّقني، وربّ كرسي يقول لجالسه ارحمني، وربّ مُستقبلٍ أسيرٍ يتذلّل لآسره ويقول له اعتقني.... .

 

ألم تملّوا أو يصبكم الضّجر منّا ولو قليلاً؟ ألم تفكّروا لبرهة في أن ترتاحوا من غلبتنا ووسوستنا ووشوشتنا ومنكم من ينظر إلى ملامحنا وننظر لملامحه منذ عقود؟ ألم يصبكم السأم من كثرة تكراركم للكلام مذ كنتم شباباً ومن ثمّ كهولٍ عن ماضينا وحاضرنا والآن عن مستقبلنا؟ ألم تساموا من روتين رحلاتكم اليوميّة بين البيت  وأماكن عملكم السياسيّة الرّسميّة؟ لله درّ تحمّلكم وأنتم تنظرون وتشاهدون وتقابلون وتقطنون كلّ يوم ومنذ زمن بعيد نفس المناظر والأشخاص والأماكن والإقامة...، لله درّكمُ؛ فكيف تستحملون؟

 

أليس لبدنكم وعاطفتكم وإنسانيتكم وفطرتكم عليكم حق؟ حقّ تغيير الرّوتين القاتل، حقّ الراحة والتّفرغ للقراءة إن كنتم تقرأون ومشاهدة التلفاز إن كنتم تُبصرون، والاستمتاع بالرّحلات العائليّة ومداعبة الأحفاد، والجلوس مع رفقاء الطّفولة والمدرسة والجامعة أو الاستماع بما تبقّى لكم من عمرٍ للذّكريات والهموم وتبدّل الأيّام ويلقيها على مسامعكم رفقاء السّلاح مثلاً الذين أحيلوا على التّقاعد إن كنتم لا زلتم تسمعون، أو تلعبون معهم الورق و (الدمينوا) إن كنم لا زلتم تجلسون وتستمتعون وتسمح لكم بذلك  أمراض الشّيخوخة والكهولة من ضغط وسكريٍّ وتضخّم في البروستات و (ديسكٍ) و (روماتيزم) ...وغيرها!

 

ألم تشعروا بالملل والسّأم من نفس المدح والإطراء والتّفخيم والمجاملة حول عظمتكم وروعتكم وقدرتكم وحكمتكم وحلم سياستكم بنفس القالب والكلام والألفاظ؟ ألم يضق صدركم وأنتم تقرأون أو تسمعون نفس الخطب في المناسبات الوطنيّة والدّينيّة (ليلة القدر، الإسراء والمعراج، افتتاح مجلس الأمّة، معركة الكرامة، يوم النّكبة، عيد الجلوس الملكي ويوم الجيش....وغيرها الكثير الكثير مما نعتزّ به ونفخر)؟!!!!

 

ألم تتوقّفوا عن سرد الكلام وترديده حول مسيرة السّلام وعجلته المعطوبة وتصرّون على ركوبها للوراء؟ ألم تصلوا إلى ذروة ذكائكم اللفظي وأنتم تبدعون الكلام عن التّنمية الشّاملة وتبشروننا بها منذ أربعين عاماً وتزيد، ولم نرى تنمية في شيء يخصّ الأردنّ سوى في جانبين: تنمية ثرواتكم ونفوذ أبنائكم من جهة، وتنمية في عجز موازنتنا التي تبلغ الآن 12 مليار دولار في الاتجاه السّالب من جهة أخرى؟

 

أيّها السّاسة المخضرمين؛ ألم تتوقفوا لمرّة فقط وتعترفون بأنّكم قد مللتم الحديث عن البنية الأساسية التي مللتكم،  وعن الإصلاح الاقتصادي والسّياسي اللذان أخذا عهداً على نفسيهما بأن لا يَصلُحان ما دمتم أنتم أنتم المصلحون لهما، وعن محاربة الفساد والمفسدين، والذي فيه وحوله أثبتّم وبرهنتم واعترفتم لنا مشكورين أن هناك فساد، ونتحدّاكم جميعاً أن تظهروا لنا ما أيقننه أنفسكم وأنّ هناك مفسدين، فرأينا الفساد ولم نرى المفسدين، وهو ما يشير إلى أنّكم تؤمنون دون الله بنظريّة المقبور (داروين) النشوء والتّرقي...فكما يخلق الفأر نفسه بنفسه من خلال القاذورات والعفن وبدون نزاوج أو بيض؛ فهو الفساد لدينا يحدث دون فعل فاسد أو مُفسد...؟!

 

لا زلتم أنتم أنفسكم تحدثوننا دون كلل أو ملل عن صلاح وفلاح الأردنّ منذ عقود؛ نعم سمعنا بذلك فقط ولكنّنا لم نرى أو نلمس للحظتنا هذه لا إصلاحاً في الاقتصاد والمال ولا فلاحاً في الحال والأحوال...أيّها السّادة السّاسة المخضرمين ؛ إن أنتم لم تكلّوا ولم تملّوا؛ فالأردنّ كلّ وملّ، والأردنيّ بنتائج أفعالكم وسياساتكم أضحى يكنّى بدلاً من أبي بأس؛ بابي يأس...، راجياً أن لا تكون قد لفظتكم أنفسكم بعد أن لفظكم كلّ شيء... .