رفقا بالأردن



لن يصدق أحد أن الشعار الذي وزعه النائب في جلسة الموازنة تم دون تنسيق ودون ضوء أخضر من المراجع المختصة، كيف لا وقد تزينت به صدور الحكومة، ويبدو أن الرئيس تحت ضغط جلسة التصويت على الميزانية أهدر مصلحة عليا بقبوله تعليق هذا الشعار، ولكن حقيقة الموقف أن هذا التصرف ليس ملكياً ولا هاشمياً ولا ينسجم مع سياسة الأردن عموماً ولا مع سياسة الهاشميين خصوصاً في علاقتهم مع الأشقاء العرب.
نعم لم يُعرف عن الهاشميين أسلوب المناكفة في العمل السياسي، وخاصة في علاقتهم مع الدول العربية، فقد واجه الأردن كثيراً من العنت والأذى الذي وصل أحياناً لحشود عسكرية وجيوش عربية دخلت أراضيه، وفي كل مرة تعرّض فيها الأردن لأذى من ذوي القربى كان يقتنص الفرص ليفتح صفحة جديدة معهم، وينشد العمل العربي المشترك، وهذا النهج الهاشمي نابع من الإيمان بأن العمق العربي للأردن مصلحة عليا ومسألة أمن وطني وقومي. وبغض النظر عن أي اختلاف آني في سياسة الدولتين، فإن السعودية تبقى حليفاً سياسيا وعسكريا وأمنيا للأردن، وليس من مصلحة الأردن التضحية بهذا التحالف باقتراف أعمال فردية غير مسؤولة من قبل البعض، فهناك فرق كبير بين الدفاع عن المصالح العليا للأردن وعدم المساومة عليها وبين تصرفات فردية غير مسؤولة ومناكفات عقيمة من أي جهة كانت خاصة في هذه الظروف الحرجة.
أما علاقة الهاشميين بالمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس فهي ثابتة تاريخياً، فالقدس ضمت ضريحي جدهم الثائر وجدهم المؤسس ولها في قلوبهم مكانة خاصة، ووصايتهم عليها لم تنقطع قط، ولا ننسى أنها شكلت جزءا من المملكة الأردنية الهاشمية لأربعة عقود تقريبا، كما أن تحركات الأردن الأخيرة بقيادة الملك عبدالله الثاني في مواجهة قرار ترامب حول نقل السفارة للقدس قد رسّخت الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية، وهذا ما أكدته قرارات القمة الإسلامية المنعقدة في تركيا مؤخراً، وأكده موقفا الاتحاد الأوروبي وأوروبا على لسان الرئيس الفرنسي ماكرون ومسؤولة الشؤون الخارجية والسياسة الأمنية بالاتحاد الأوروبي، والأهم من ذلك موافقة وإقرار ومباركة الجانب الفلسطيني الذي يرى في الوصاية الهاشمية حماية للأقصى والضفة الغربية ويبقي حل الدولتين على طاولة المفاوضات.
كان على الحكومة أن تلتقط الأبعاد السياسية لتصرف النائب، وأن تنأى بنفسها عنه خصوصا في ظروف الإشاعات الأخيرة والبيان الذي صدر عن الديوان الهاشمي بخصوص الإشاعة المغرضة. إن أي سياسي حصيف كان ليرفض هذا التصرف وكان ليقف ضده جملة وتفصيلاً، ومع أننا لا نستطيع كدولة ديمقراطية أن نمنع أي نائب من أي تصرف تحت القبة فإنه من المهم الإشارة إلى أن موقف سعادة النائب المعني لا يمثل سياسة الأردن الخارجية بخصوص علاقاتها الوثيقة مع الأشقاء، وهو صاحب موقف معروف مناهض لسياسة الأردن الخارجية في هذا المجال وإن آراءه المعلنة والمنشورة لا تمثل توجهات الأردن وتحالفاته السياسية والدبلوماسية.
من المفيد التذكير ان المادة 37 من الدستور الأردني قد حصرت سلطة وصلاحية منح الرتب المدنية والعسكرية والأوسمة في شخص الملك فقط، وعملياً من المهم التذكير اننا لم نكن بحاجة لهذه الحركة غير المدروسة في البرلمان.
دعونا نعتبر أن ما حصل يدخل في نهفات السنة المنصرمة المشؤومة ونقول؛ رفقاً بالأردن فهو يمر بظروف غير مسبوقة ويحتاج إلى التأني والرزانة في التعبير عن مواقفه على مستوى السياسة الخارجية والعلاقات الدولية، كما أن الظرف يستوجب تنسيقاً عالياً بين كافة مؤسسات الدولة ورجالاتها ليكونوا عوناً للملك في جهوده للعبور بالأردن إلى بر الأمان.