عن مارثون مناقشة الموازنة


غدا سيبدأ مارثون المناقشة النيابية لمشروع قانون الموازنة، وسط غياب منهجية واضحة للنقاش، فالمطالب ستنهال على الحكومة، وخطاب الرد سيكون مليئا بالوعود، وعن ضرورة منح الحكومة فرصة تصويب الاختلالات ومعالجة التشوهات، ولا اظن نائبا سيفتح موازنة العام المنصرم، ليناقش الحكومة في آلية انفاق الموازنة السابقة وحجم الاخفاق او مقدار الوفر الذي وعدت به، سنسمع خطابا مناطقيا وغرائزيا في اغلبه ركيك المضمون وخال من المنهجية الواجب اعتمادها؛ لتحقيق مبدأ الاعتماد على الذات والمحافظة على جاذبية الاستثمار وضرورة منح تنافسية للمنتج الاردني وفتح اسواق له، فالواقع الاقليمي طارد للاستثمار، والفرصة قائمة لجذبه، وثمة خطوات خجولة بدأت وتحتاج الى تحفيز سريع.
خارطة الطريق التي رسمتها اللجنة المالية في خطابها لاعضاء مجلس النواب تكشف عن انعدام الآلية الجديدة، وتؤكد انزلاق اللجنة الى مناقشة الموازنة بالعقلية نفسها التي صنعت الموازنة، وبالتالي لن ننتظر نتائج مغايرة، فواقع الحال يقول اننا امام نقاش عقيم يفتح ابواب الازمة ولا يخلق مخارج لحلولها، فالنهج السائد منذ عقود هو النهج نفسه الذي اوصلنا الى الازمة، وطبيعة النواب واسس وصولهم الى القبة ما زالت قائمة مع تراجع في مستوى الاداء النيابي، ويبدو مفيدا عدم فرد مساحات لنشر خطابات السادة النواب على صفحات الجرائد، فهذه كلفة زائدة على موازنة الصحف.
وكذلك لسنا في وارد مناقشة مرور الموازنة تحت القبة، فالنتيجة شبه محسومة لصالح المرور، ما لم تحدث معجزة، ولكننا في صدد مناقشة آلية المرور بعد ان وضعت اللجنة المالية ستة شروط لقبول الموازنة، تحمل هذه الشروط في ثناياها الكثير من الميوعة الاقتصادية والسياسية، فالموازنة حملت في بنودها مخصصا لدعم فوارق رفع الدعم عن السلع بقيمة 171 مليون دينار، وبالتالي فإن وضع هذا الشرط هو بمثابة لزوم ما لا يلزم، الا اذا كانت الحكومة عازمة على شطبه او تحويله الى بنود ثانية، وكان الاولى اشتراط تحديد المنتفعين بهذا المبلغ بشكل واضح ودراسة ان كان هذا المبلغ كافيا لدعم الفوارق السعرية على الطبقة الفقيرة والاشد فقرا بعد انتهاء الطبقة الوسطى ومغادرتها الحياة الاقتصادية الاردنية، فلم يتبق منها الا بعض جيوب او ثغور ستنتهي قريبا، بعد ان كنا نتحدث عن جيوب الفقر.
الشرط الثاني كان اكثر ادهاشا من سابقه، والذي طالب بالغاء شرط امتلاك سيارتين وعقار بقيمة 300 الف دينار من المعايير المحددة في توجيه الدعم النقدي، فهذا يعني ان اللجنة اعتمدت مسطرة الحكومة في توجيه الدعم، اي ان اللجنة سقطت في عقل الحكومة وباتت تفكر بمنطقها نفسه، والخطورة ان يستدرجك خصمك الى التفكير بعقله، ونحن والحكومة على خصومة في الموازنة، إذ اعتمدت الحكومة منطق الجباية ولم تعتمد منطق توسيع الاستثمار ووقف الهدر ومحاصرة التهرب الجمركي والضريبي، فاللجنة تقول بانها موافقة على المسطرة الحكومية وتختلف معها في القياس، ونذكر بعض مساطر كانت تحمل قياسين بالانش والسنتيميتر، لكن ذلك لا ينفي ان المسافة واحدة والخلاف على وحدة القياس، فالطريق الى اربد سواء بالميل او بالكيلومتر تستهلك الكمية نفسها من الوقود.
ما يبعث على الدهشة والسريالية، شرط اعتماد اسعار الكاز كما في شهر تشرين الثاني ونحن في نهاية كانون الاول وهو الشرط الاخير، فكيف سيتم ذلك والمواطن قد اشترى الكاز وانتهى الامر، ثمة شرط معقول ومقبول وهو شرط ابقاء اسعار الكهرباء ثابتة على الطبقة الفقيرة والاشد فقرا بواقع 300 كيلو واط، ولكن اللجنة فتحت الباب لمزيد من الرفع او الاستفادة من وقف الدعم اذا ما تراجعت او ارتفعت اسعار القمح عالميا، فالداخل الى جيب الحكومة مفقود، والخارج منها مولود كما تقول التجارب السابقة، اما شرط الآلية في ايصال الدعم سواء كان ربعيا او نصفيا فهذا لا يهم؛ لان زخرفة القبر لا تفيد الميت، كما لا تفيد الشاة شكل السكين اذا حضر الذبح، فالأولى مناقشة الاسس التي اعتمدتها الحكومة في الموازنة وليس شكل الموازنة وهندستها الرقمية.