دروس مستفادة من " الربيع" العربي أو " الخريف" العربي

 

 

منذ انطلاقة حركة الشارع العربي طلبا للحرية والكرامة والعدل والمساواة ولرغيف الخبز ، والتي انطلقت شرارتها الاولى  في تونس ، أثر اعتداء شرطية تونسية على بائع متجول ، وقيامه باضرام النار في نفسه أمام بلدية المدينة كنوع من الاحتجاج على امتهان كرامته والتعدي على حقوقة كمواطن يسعى لتأمين قوت عياله ، وما رافقها من تغيير لرؤوس النظام في تونس ومصر ، وتبعها من تحرك الشعوب في كل  ليبيا واليمن وسوريا والبحرين لاعادة استنساخ النموذج التونسي والمصري في التغيير ، برزت مجموعة من المعطيات والدلائل والمؤشرات التي يمكن النظر لها على أنها دروس مستفادة من  مما جرى في تلك البلدان ، ويمكن تلخيصها بما يلي  :-   

 

أولا :-  ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن نظرة الحكام العرب الى بلدانهم هي نظرة المزارع الى مزرعته الخاصة أو  الراعي الى قطيع أغنامة ليس أكثر ، فمجرد تفكير الشعب بالمطالبة بحقوقه أو مطالبته بتعديلات دستورية تكون مدخلا لاصلاحات حقيقيه هو نوع من الكفر الذي يصل الى مرحلة الالحاد ، ويستوجب القصاص بأعلى درجات القسوة ، فكيف اذا وصل الامر بالمطالبة بتغيير هذه الانظمة ! أعتقد أن القتل والهرس والتقطيع من خلاف لم ولن يكون بعيدا عن متناول أعوان هذه الانظمة ، والذين اطلقت عليهم في بلدانهم مسميات مثيرة مثل  " البلطجية " والشبيحه " ،  بل لقد سمعنا وشاهدنا كيف تم قتل واقتلاع حناجر شعراء كتبوا أشعارا لثورات بلادهم في اليمن وسوريا ، وكيف أصبح ثمن المواطن العربي بثمن رصاصة كلاشنكوف ليس أكثر !

 

ثانيا :-  ثبت أيضا بما لا يدع مجالا للشك بأن الجيوش العربية – بشكل عام – والاجهزة الامنية – بشكل خاص – هي موجوة أصلا لحماية مثل هؤلاء الحكام العرب ، وليس لحماية كرامة  المواطن العربي أو حدود الدول العربية ، وان مليارات الدولارات التي تنفق سنويا على شراء الاسلحة المتطورة وتحديث برامج هذه الجيوش ، وتعزيز الاجهزة الامنية بكفاءات بشرية وتكنولوجية ، لا يقصد منها بالمقام الاول الا حماية الانظمة العربية من تحركات شعوبها في يوم من الايام ، فبعض هذه الجيوش لم تدخل حربا منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاما ، وبعضها لم يدخل حربا واحدة على الاطلاق منذ تأسيسة ! في الوقت التي تنوء صدور الجنرالات العرب بالاوسمة والنياشين وأنواط الشجاعة !  وان تسليح الجيوش تحت شعار الجاهزية للدفاع عن فلسطين والتحصين ضد الهيمنة الامريكية والتحالفات التي أفضت الى تقسيم الدول العربية بين دول ممانعة ودول معتدلة لا تعدو عن كونها مزحة سمجة وثقيلة الدم،  وذريعة سقطت مع أول احتكاك هذه الانظمة مع شعوبها ، وأن الكل يسعى لرضا الامريكان بأية وسيلة ، فمن لم يحظى بهذا الرضا ، انقلب الى صف دول الممانعة ، ليس عن قناعة ، بل نتيجة فشل بالوصول الى النتيجة المرجوة . فقاده فشلة الى التحالف مع شيطان اخر . ان الدور السلبي للجيوش العربية والدور المخجل للاجهزة الامنية العربية انكشف من خلال مستوى التدخل المرعب لصالح حكام الدول التي مرت بها حركة الاحتجاجات العربية ، فأستأسدت هذه الاجهزة في قمع وقتل وسحل والتمثيل بجثث المواطنين العزل .

 

 

 

 

ثالثا :-   مواقف الدول الغربية عموما والامريكان خصوصا اتخذت نفس النسق في تعاملها مع حركة الاحتجاجات في الشارع العربي ، ويمكن تلخيصها بعدة مراحل ،تبدأ بانتظار وترقب لحجم حركة الشارع ، اصدار بيانات القلق مما يدور ، اصدار بيانات ضبط النفس للحكام والثوار ومطالبة الحكام بالتعامل بانفتاح مع مطالب المحتجين ، مطالبة الحكام باحترام حقوق الانسان بعد تنفيذ عدة مجازر مرعبة من قبل هذه الانظمة ، المطالبة بانتقال سلمي للسلطة،  استصدار قرار حظر سفر لعدد من المسؤوليين وتجميد أرصدة لعدد من رؤوس النظام ، استصدار قرار من المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة هذا الرئيس أو ذاك ، استصدار قرار من مجلس الامن بمهاجمة أهداف منتخبة لاضعاف قوة الحاكم واضعاف جيشة ، ترتيب مرحلة ما بعد سقوط الحاكم مع نخب المعارضة التي تقود حركة الشارع .!!!! ويلي كل ما سبق ، ضمان الامريكان خصوصا والغرب عموما بالحصول على عقود اعادة الاعمار لما تم تدميره خلال حرب " التحرير " والذي سيكلف عشرات بل مئات المليارات من الدولارات . ما أعنيه في هذا المقام أن الامريكان لا يهمهم تحقيق ديمقراطية حقيقة في الدول العربية تقود الى نهضة شاملة وترتقي بكرامة وحقوق المواطن العربي ، ما يهمهم ، تحقيق ديموقراطية حسب المقاس الامريكي وبما يحقق المصالح الامريكية في هذه الدول ، والا فلماذا لم يتحرك الامريكان قبل هذه " الربيع "  ويجبروا قادة هذه الدول على منح حقوق لشعوبهم  وهم الادرى بمدى

 بما تمارسة هذه الانظمة– والتي هي بالمجمل متحالفة معهم – من قمع واضطهاد وكبت للحريات في بلدانها على مدى عقود خلت .

 

 

رابعا :-  حركات المعارضة الثائرة في ميادين التحرير العربية والتي تقود جماهير الشباب المتحمس والمتعطش للتغيير ،  لم تقدم برامج واضحه لما بعد التغيير الذي تطالب به ، بل اكتفت بالمطالبة بالتغيير فقط ، ولعل قصور هذه الحركات بتقديم تصور واضح لمرحلة ما بعد التغيير  ، هو الذي مكن الغالبية من أزلام رؤوس الانظمة السابقة  في الدول الذي حدث فيها التغيير من البقاء في مواقعهم والاستمرار في تنفيذ برامج سابقة من العهد البائد ، بل لقد وصل الامر – كما حدث في الثورة المصرية – الى تخوف الجماهير المنتفضة الثائرة من سرقة منجزات ثورتهم على أيدي بقايا  النظام المنحل ، ومما يدلل على ذلك تباطؤ المجلس العسكري والحكومة الانتقالية في سرعة محاكمة مسؤوليين سابقين وتلكؤهم في تنفيذ الاصلاحات التي قامت من أجلها الثورة .

 

خامسا :- سواء أطلقنا على حركة الشارع العربي بـ " الربيع العربي " كون هذه الحركات قد كسرت حاجز الخوف والتردد والخنوع الذي ساد لعقود مضت ، أو أسميناه بـ " الخريف العربي " لعدم وضوح الرؤية لمستقبل الدول والشعوب التي غيرت أنظمتها أو هي في طريقها لتغيير هذه الانظمة وما رافقها من خراب ودمار واضرار بليغة بالاقتصاد الوطني لهذه الدول ، فأنني أعتقد أن التغيير السلمي – ان أمكن -  ولو على مراحل زمنية طويلة ، هو أجدى بألف مرة من الغوص في متاهات التغيير غير المبرمج وغير المضمون النتائج ، والذي سيفضي الى تغيير الوجوه وليس تغيير في جوهر العقليه للحاكم العربي الجديد والقادم بترتيب غربي على الارجح !!! والعاقل من يتعظ بتجارب غيره ولا يضطر لدفع الثمن من جيبه .