التعددية ما بين الإبداع والإشكالية ( سوريا والبحرين مثالا)
التعددية ما بين الإبداع والإشكالية
( سوريا والبحرين مثالا)
تتصف معظم الدول المتقدمة بتعددية معقدة، حيث لا يكاد يجمع مكونات شعوبها سوى الدولة ومسارها وتطلعاتها، ومعظم الدول وأكثرها تعدديه استطاعت أن تستغل الايجابيات الدقيقة في التعددية وعملت على استنباط وبناء الحضارة المستحدثة من تراكمات الحضارات الوافدة على أراضيها ومن خلال تثبيت الممارسات المقبولة بالشيوع وإسقاط الممارسات المستهجنة بالمجموع حيث قام مشروع الدستور الحاضن للتركيبة التعددية على صيانة المتراكمات من الأصول وتهذيبها وقوننتها ومراجعتها دوريا وإعادة تشكيلها لتصل الى مرحلة السير الذاتي دون الحاجة الى التفكير أو الشك في مكنونات هذا الدستور كوحدة كاملة.
وبغض النظر عن القناعة الفردية بصلاحية تفاصيل أي دستور غربي لمحيطنا من عدمه.. نجد أن موضوع استلام السلطات وتداولها ومراقبتها تعتبر عملية علمية مفترضة لأي حضارة أو كيان بشري يملك أي ايدولوجية أو تراث، بل تعتبر العملية الديمقراطية مطلبا مقدسا لمعظم هذه الايدولوجيات، وكذلك نجد في المجتمعات المتقدمة ذات التعددية النافرة افتراضا أن العلاقة المتبادلة بين السلطات الثلاث وما بين الجمهور مصانة من خلال الدستور الحاضن للجميع وبمعادلات اقرب للرياضية لا تقبل الخطأ بالمطلق وعليها بالنتيجة أن تحقق طرفي المعادلة دون مواربة أو تسويف أو محاولة لإيجاد العصا السحرية التي تبيح ما لا يقبله الدستور.
ومقارنة مع الحالة العربية نجد لزاما علينا البحث في كيفية تحول التعددية (إن وجدت) الى سيف مسلط على جسد الوطن لاقتطاعه بدلا أن يكون عاملا مطورا ومساهما في انجازاته، ففي الولوج الى الحالة العربية لدراسة اثر التعددية نجد أن مكونات الأمة قد تكون اقرب الى التعددية المصطنعة من التعددية الحقيقية حيث أن السواد الشعبي الأعظم يشترك بحضارة تاريخية موغلة في القدم وكذلك بجذور اثنيه واحدة وعقيدة راسخة شاملة لتجعل من قضية التعددية قضية هامشية أمام قضية الأكثرية والأقليات النابعة عن الغزوات وتواتر الحضارات، وهنا قد نجد بان عامل الأكثرية أصبح عاملا سلبيا أمام الايجابية المحتملة للتعددية، وربما ساهم في ذلك قراءة النخب للتاريخ بالشكل الخاطئ أو بالشكل المتطابق مع مصالحه الضيقة وليتم من خلال هذه القراءة استخراج عوامل السيطرة الفردية بدلا من عوامل التطوير وأسباب تعديل المسار.
وفي دراسة لحالتين عربيتين تقعان تحت رحمة ربيع الثورات حاليا وهما الحالة السورية والحالة البحرينية، نجد في الحالة السورية أن الظاهر في الصراع الدائر لا يمثل الصورة الحقيقية لمسبباته والذي يبدو صراعا بين حزب البعث وجمهور رافضا له.. فلا الحاكم بعثي ولا الشعب رافضا للوحدة العربية (أهم مبدأ من مبادئ حزب البعث) بل أن الصراع أصبح بين أكثرية تحكمها أقلية، ومن هنا كان علينا الانتباه بأن الأكثرية تمترست حول نفسها مستخدمة أسباب التوحد الذاتي بعد أن أدركت أنها مستبعدة ومستعبدة لأنها (أكثرية) من قبل هذه (الأقلية) التي تجمعت تحت بند طائفي حسب الواقع الحاضر.
وقامت هذه المجموعة بالتالي بالاستحواذ على مراكز القوى وعلى أسباب التغيير حماية لمصالحها المغتصبة بالنتيجة، حيث قامت باستخدام الطائفة كجامع لأبنائها وسالخ لها عن محيطها لتصنع بالنهاية حالة طائفية ضبابية وتتغطى بإكسسوارات من بعض الشخصيات الانتهازية من الطوائف الأخرى وقامت بالتدريج بتطويع النظام والدستور السوري لتغطية التمترس الفعلي وتحت المسمى الحزبي، وهذا ما جعل الصراع الشعبي الحالي الآن يدور بين شعب سوريا بكل طوائفه الخمسة ( والتي لم تكون واضحة خطوط الفصل بينها لولا هيمنة الطائفة السادسة عليها جميعا) ضد قبضة حديدية تمتاز بلون طائفي واحد.
أما في الحالة البحرينية نجد أن التعددية كانت دوما عاملا مساهما في التطوير السياسي والنظام الديمقراطي التي تمتعت به مملكة البحرين وخاصة بعد استفتاء عام 2002 والذي تم إقرار الدستور بعد الحوار الوطني المتكامل الذي صاغ حياة متسارعة في التقدم والتطوير واستطاعت البحرين بقيادة حكيمة أن تصل الى نظام سياسي برلماني راقي تحكمه مصالح البلد ومصالح مواطنيه حيث تم تحقيق انجازات علمية واقتصادية واجتماعية خلال ثماني سنوات تفوق انجازات دول كبرى ورغم شح الإمكانيات المادية فيها، ولم تكن التعددية مرئية أو موجودة حيث كان الشعب البحريني يعمل كوحدة واحدة ذات صبغة وطنية أصيلة، وذلك قبل أن تغري هذه التعددية المشروع الفارسي لاستغلالها لتكون حصان طروادة لحلمها وكابوسنا وإكمالا لنجاحاتها في كل من العراق ولبنان وسوريا.
إذا استطاعت إيران مؤقتا أن تعمل على صناعة وجه سلبي للتعددية ورعايته من خلال البحث عن عوامل طائفية لصناعة التنافر العقائدي بين الشعب الواحد.. لنجد أن المطلوب من إدامة الصراع حاليا بين (الطائفة) والدولة هو اختطاف الحالة البحرينية للوصول الى نموذج دولة الأحواز العربية المحتلة والمسحوقة حاليا من إيران وذلك باستغلال (العقيدة) لتصل الى حالة مشابهه مفترضة ونازعة لمملكة البحرين (لاسمح الله) من جذورها، حيث يكون ذلك بواسطة استغلال كتلة شعبية اقل من النصف من مجموع الشعب البحريني.. الذي استطاع الانتباه لاستغلال التعددية بالشكل المقرف فوقف البحرين شامخا وأوقفها للأبد.
هنا نعيش حالتين متناقضتين الجاني فيها واحد والضحية المفترض فيها الوطن العربي بكامله، حيث يحاول الجاني المحافظة على خندق اختراق متقدم بالمحافظة على حكم (الطائفة) في سوريا وبالمقابل يحاول أن يورط جزءا من الشعب البحريني ليكونوا رأس الحربة لمشروعه الطائفي في البحرين فالخليج العربي بالنتيجة.. ولكن من الواضح أن الشعب السوري اختار أن يخرج من الحكم الطائفي ليمارس حياته كما تجب أن تكون وكذلك من الواضح أن أصحاب المشروع الفارسي فشلوا وسيفشلوا مرارا أن يختطفوا البحرين لضمه لمجموعتهم بجانب الأحواز العربية وبلوشستان وكردستان.. والعراق التي انضمت حكومتها الى عش الدبابير الفارسي ولبنان المسلوب الإرادة بفعل تجار (المقاومة).
جرير خلف