|
يتم اغلاق الشوارع، من طريق الجامعة الاردنية،مروراً بالطريق الى السلط،وصولا الى الطريق القادم من المطار،لان الاف الطلبة تخرجوا،وقرروا قلب البلد،واغلاقها،بأعتبار ان البلد من ارث الوالد الشخصي،رحمه الله.
الاف السيارات،والطلبة يحملون شهادات كرتونية،لاتساوي دولاراً،واغلاق للشوارع،وحشر لالاف السيارات خلف هذه المواكب،غصباً وقهراً،واطلاق للابواق والغمازات.
كأن الخريج تخرج في «اكسفورد» مع معرفتنا المسبقة،بأنها شهادات مدفوعة الثمن في اغلب الحالات،مالا او واسطة للقبول.
لايفكر كل هؤلاء لا بمريض، ولا بعجوز اصيب بنوبة قلبية، يريد الوصول للمستشفى،فالمهم «الانا» وبعد «الانا» فليذهب البلد ومن فيه الى الجحيم،مسافراً أكان ام مريضاً ام عائداً من عمله،ام شخصاً يريد ان يرتاح في منزله.
حركات قرعاء لاتليق بخريج جامعي،اذ يبدأ اولى لحظاته بعد التخرج بمخالفة القانون وبالاستعراض،وهو يعرف ان سقفه في الحياة العملية اذا وجد وظيفة،هو مئتا دينار فقط،مع تقبيل مئة يد قبل الحصول على الوظيفة.
لن تكفيه هذه الدنانير ثمناً للسجائر،ولا لدفع فاتورة الموبايل،وهمسات الحب مع الحبيبة التي يبدأ معها خطة انسحابه التكتيكي،من حياتها فور تخرجه،لانه غير قادر على الزواج،بعد مماطلة استمرت اربع سنوات، اغرقها خلالها بالعسل والغزل.
فوق ذلك العاب نارية مهرّبة وممنوعة،ومخازنها في سحاب وغير سحاب،يتم اطلاقها فوق رؤوسنا،ورشاشات وبنادق صيد،ومسدسات،ورصاص ينهمر،ولا احد يتعلم من اخبار الجرح والقتل،فالمهم «الانا»وبعدها فليذهب البلد الى جهنم الحمراء.
بعد هذا تنتقل الحفلة الى البيت،فيجتمع الاقارب،ويبدأ اطلاق النار،وصب الجميد السائل على الارز،وعلى الجيران ان يصمتوا،لان الرسول اوصى على سابع جار،ولان الفرح،لايجوز ان يكون بسيطاً وهادئاً ورائقاً وجميلا،ولان الفرح لدينا يجب ان يأتي عنيفاً.
تأتيك زفة العرسان،فتغلق الشارع،والكل يتفرج على العريس والعروس،والكل يتندر بلاذع الكلام،عما سيجري الليلة،او الليلة المقبلة،والعريسان يريدان ان يتزوجا،غير ان كل من في الشوارع،عليهم ان يدفعوا النقوط اجبارياً بالسكوت عن اغلاق الشارع.
ماعلاقتي انا بمن يريد ان يتزوج،والزواج هنا بهذه الطريقة،فضيحة حلال،وعليها شهود،فلا يبقى احد الا ويشاهد التزمير والتطبيل،وتنصب اللعنات على العرسان،من الذين تم حشرهم على الطريق،بدلا من تمني الخير للعرسان.
قبل ذلك يكون العريس قد استأجر مطرباً من الدرجة العاشرة،او جلب دي جيه،وواصل هو واقاربه طوال الليل،الزعيق والعويل،فلايرحمون طالباً ولاجاراً،ويستبيحون كل الحرمات،ويغلقون الشوارع،ويطلقون الرصاص في حالات،وتسأل نفسك كيف نعبر بوسيلة قتل وموت،عن فرح وسعادة؟!.
هذا ليس تعبيراً عن الفرح،هذا تعبير عما يمكن تسميته بالفرح السلطوي،اي مقاهرة الاخرين،واستباحة الخصوصيات،في بلد يعاني من التلوث السمعي،بطريقة لاتجدها في اي بلد اخر،وهو تلوث ادمن عليه بعضنا حتى بات طبيعياً.
من «زاعوق» بائع الغاز،مروراً ببائع الخضار ومكبرات صوته،وصولا الى الذي يبحث عن غسالة مستعملة ليشتريها،الى ذاك الذي يبني بيتاً،فيحفر من السابعة صباحاً حتى الثامنة مساء،ولايستثني جمعة ولاعيداً،والطلبة الخريجون من التوجيهي والجامعات،واعراس الشبيبة هنا وهناك،وانتهاء بالسائق الذي يستعمل بوق السيارة كل خمس دقائق،والزوج الذي يصرخ على زوجته،والابن الذي يصرخ على اخته،تحولت حياتنا الى غابة من الضجيج المرضي.
ليس أجمل من الفرح برقي وبساطة وهدوء،وهو فرح يتمنى فيه كل الناس،الخير لك،اما الفرح الذي تستبيح فيه حرمة الجار والشارع والبلد،فلا يجلب لك الا الشتم واللعن والسباب،وقلة الاحترام.
هذا فرح ُتسبب عبره الاذى لغيرك،حتى لو لم ترى بعينك،كيف قتلت مريضاً على الطريق،بتأخير وصوله الى المستشفى،وحتى لو لم تر بعينك على رأس من سقطت رصاصاتك،وحتى لو لم تسمع بأذنك شتائم الناس وغضبهم من استباحة خصوصياتهم.
«زامور» لكل مواطن،هذا هو الحل حتى تصبح الزفة جماعية.
mtair@addustour.com.jo
|