مشكله أزلية اسمها الثانويّة العامة...!
مشكله أزلية اسمها الثانويّة العامة...
بما انّه من الطّبيعي عدم إرضاء كلّ النّاس في شيء وآنٍ واحد؛ فإنّه من الطبيعي أن تسمع وترى بكاء بعض طلبة الثّانويّة و بعض (تمثيليّات الانتحار) بعد خروجهم من امتحانات بعض المواد، فلن يتفق الآلاف منهم على سهولة أو صعوبة امتحان...
وبما أنّ بعض وسائل الأعلام تعمل على مبدأ: (عنزة لو طارت)؛ فطبيعي جدّا أن تقوم بنشر صورٍ لبكاء هؤلاء الطّلبة حتّى في مواسم الامتحانات التي شهدت نسب عالية جدّاً في النّجاح...
وبما أنّ (قلبي على ولدي وقلب ولدي على صخره)؛ فإنّه من المنطق أن يشتكي أولياء الأمور من صعوبة بعض المواد بسبب ما ينقله لهم أبناؤهم ويتأثّرون به... .
وبما أنّ لكل مهمة مقتضيات؛ فليس هناك أولى من وزير التّربية والتعليم بالإدلاء ببعض التّصريحات هنا وهناك كمقتضى من مقتضيات مهمته الوزاريّة... .
وبما أنّ النّواب لهم أبناء (توجيهي)، ولديهم أقارب وأهالي دوائرهم وجميعهم يخوضون معركة الثانويّة العامّة؛ فإنّه لا بديل عن أن يثور هؤلاء النّواب ويصفون الامتحانات بالقسوة والصّعوبة، فهو تصرّف مناسب ويتفق مع أداء نوّابنا الأكرمين، فثورتهم ستحفظ لهم خط العودة لقواعدهم الانتخابية بعد غيابٍ، فأيّ شيء أو حدث يضمن لهم الشّعبيّة أو أكثر أهميّة من مصيبة امتحانات الثّانويّة العامة وتداعياتها (فمصائب الأردنيّون عند نوّابهم وصحفهم فوائدُ)...؟!
كل ما سبق مفهوم ومتوقّع كونه جرى ويجري ويتكرّر كل عام كطقوس ضروريّة ترافق موسم الثّانويّة ولا تقلّ أهميّة عن اقتران (القطايف) لدى الأردنيين بشهر رمضان الفضيل؛ ولكن في خضمّ هذا الازدحام واللطم والعويل والبكاء واقتناص الفرص وتصيّد الأخطاء والتبريرات المقنعة وغير المقنعة على (هَبرة لسان) كل طرف مختصٍّ وغير مختص؛ يغيب الواقع، وتتلاشى الحقيقة، ويعجز المنطق الذي يحكم الأمر...، فالطّالب يقيّم المُعلّم، والوزير يقسم على القرآن، ووزارة التربية والتّعليم تُقسِم بشرف أختها - وزارة التّعليم العالي - بأنّ الامتحانات في مستوى الطّالب العادي والمتوسط (ولا أعلم أين المشكلة في أن تحتوي ورقة الامتحان نسبة ما من الأسئلة التي تناجي الطّالب المميّز، وتقيس مستوى ذكائه..)؟؟؟!!!
علينا جميعاً ونحن الآن تلفح وجوهنا مرّة أخرى نار هذه المشكلة الأزليّة الحارقة؛ أن نطرح العواطف والمشاعر جانباً، ونفسح المجال للعقل والتّعقّل لعلنا نكتشف من خلالهما:
1- أنّنا سمعنا رأي كلّ ما هبّ ودبّ بعد أن تحدّث المُفتون والمنظّرون وما أكثرهم في كلّ شيء وفي جميع التّخصّصات؛ ولكننا لم نسمع أو نقرأ تعليقاً من خبراء العمليّة التّعليميّة أو خبراء وضع الأسئلة في تقييم الخطوات والإجراءات لأيٍّ من امتحانات السّنون الماضية، فهل يتمّ لنا ذلك في هذا الموسم الثّانوي؟ نتمنّى ذلك وننتظره... .
2- إنّ تعويد الطّلبة وأهاليهم على نمط سهل مُيسّر من أسئلة الامتحانات، ونسب نجاح عالية تفتقد للمنطق أحياناً في بعض الأعوام، والإتيان بالعكس وعلى غير المتوقع في عامٍ آخر؛ هو ما يزيد في قوّة الصّدمة، وينمّي الانفعالات، ويُظهر الغضب ويُعلن الاحتجاجات ويثيرها لدى المعنيين مباشرة - الطّلبة وأسرهم - وغير المعنيين مباشرة... .
3- إنّ وسائل وطرق قياس درجة الصّعوبة والسّهولة في امتحانات الثّانويّة؛ يجب أن يكون انطلاقها أو محلّ تواجدها في وزارة التربية والتعليم، وليس في وسائل الأعلام أو في قاعة مجلس النّواب، ونحن نعلم جميعاً أنّ بعض أعضاء هذا المجلس قد مرّ بمرحلة التربية فقط ولكنّه لم يمرّ بمرحلة التّعليم لغاية هذه اللحظة ...، أليس أهل مكّة أدرى بشعابها؟! إذن...؛ (فلنترك الرّضيع في رعاية أُمِّه).
4- أنّ الثانوية العامّة ليست زيارة إعلامية لإحدى قاعات الامتحان أو أكثر، وليست استعراضاً يبدأ بوقت وينتهي بمثله؛ إنّما هي أزمة كل بيت أردني، بل تخفي داخلها ملفاً سياسيّاً حسّاساً ومن الطّراز الأوّل، وأيّ سوءٍ في إدارة ولو جزء منه؛ يمكن له أن يطيح بحكومة كاملة في الوضع الطّبيعي الحر للبلدان والشّعوب...، لذا...؛ تحتاج هذه العمليّة لأداءٍ ناعمٍ ليّن تسيطر عليهما الحنكة والحكمة بعيداً عن كلّ خشونة أو عنف أو تسرّع... .
ورغم كلّ ما قيل وما سيُقال في هذا المحور؛ إلّا أنّ جهابذة ومفكّري ومنظّري العمليّة التّربوية والقائمين عليها من وزراء وأمناء عامّين ومدراء أقسام امتحانات وغيرها...؛ لا يزالون مصرّين إصراراً على غضّ الطّرف عن حل هذه المشكلة الأزليّة، ويكرّرونها كلّ عام، ويقدمونها لنا كبوفيه مفتوح يحتوي في أصنافه كثير من (التتبيلات) المتنوّعة، إلّا أنّ شكلها مختلف وطعمها مؤتلف...، فما هو الحل يا أهل العقد والحل لما نعانيه من مشكلة أزليّة متكرّرة ونستقبلها كلّ عامٍ مرّتين (شتوي صيفي) اسمها الثانويّة العامّة... ؟!