الزيارة الملكية ودرر أبا الحسين وعزيمة الشباب

إن من أروع ما يلفت الانتباه إلى تلك الدرر التي نطق بها جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم  أثناء زيارته إلى قبيلة بني حسن في الثامن والعشرين من حزيران الماضي تلك اللفتة الملكية السامية إلى مهرجان قبيلة بني حسن الذي أقيم في يوم الوفاء للوطن في الثامن من نيسان الماضي .

ذلك المهرجان التاريخي الذي قامت به لجنة تحضيرية شبابية من أبناء القبيلة ، ذلك المهرجان الذي اخذ مباركة جلالة الملك ، وتلك اللجنة الشبابية التي لقيت كل الدعم والمباركة من شيوخ القبيلة ونوابها وأعيانها ووزرائها وكافة أبنائها المخلصين الغيارى على الوطن وقائد الوطن .

نقول ذلك لأننا نعي تماما ثقة الملك بالشباب وقدراتهم وعطائهم وإمكاناتهم اللامحدودة وقدرتهم على إنتاج الشيء من اللاشيء إن وجدت العزيمة والإرادة والتصميم ومن هنا فانه لا يخفى على احد دور الشباب في التطوير والتحديث والتنمية وبناء الوطن وعزته ،فالشباب كنوز الوطن "المخبوءة لأيام القحط،" وسيوفه المشرعة في وجه أعدائه المتربصين، ويده القوية في البناء والتنمية……

وما من أمة على وجه الأرض إلا وتتعهد هذا الغرس الطيب بكل ما تؤتى من إمكانية، تغذيه بالعلم، وتسقيه مكارم الأخلاق، وتقومه بتعاليم الدين الحنيف، لأن الحصاد لا بد آت، فإما الغلال الوفيرة والثمرات الطيبات، أو الشوك والصبار، وحصاد السوء، فغراس المستقبل الواعدة أمانات الأمم وعهدة المسؤولين من أبنائها.

ولعل المتنزه في مقومات نشوء الحضارات وعوامل نهوض الأمم لن يجد صعوبة في استجلاء الحقيقة …. فالشباب سبيل الأمم إلى كل جديد وحصنها الحصين في وجه كل عدو مريد والأمثلة على ذلك لا يحيطها عد، وأسود الدعوة الاسلامية خير مثال يقرأ في مثل هذا المقام فالشباب هم الذين تجشموا عناء نشر الدعوة ومسؤولية بناء الدولة الإسلامية الوليدة حتى رسخت وامتد جناحاها ليظلل ثلثي الكرة الأرضية، مما يدلك ذلك على عظمة دور الشباب؟! .

إن ما يتمتع به الشباب من خلال عقلية وبدنية ونفسية فائقة تمنحهم مرتبة حماة الوطن المشرفة في الحرب وتمنحهم رتبة حملة لواء البناء والتنمية في السلم، فعقلية الشباب تتصف بالمرونة والانفتاح والقدرة الباهرة على التكيف مع أي طارئ جديد تخبئه مستجدات الحياة المتصفة بالتغير والتسارع المستمرين في مختلف المناحي العلمية والسياسية والاجتماعية، والنفس الشبابية أصلب إرادة، وأمضى عزيمة، وأقدر على مواجهة التحديات مهما لاحت في الأفق من المحبطات وكاسرات الإرادة فالإرادة والعزيمة، وحب الاكتشاف، والقدرة على تحويل المستحيل إلى ممكن من ألصق الخصائص الطيبة بالشباب.

ومما لا يقبل الشك أن القدرة البدنية الكامنة من أكثر السيوف مضاءً وقدرة على تحويل الأفكار المجردة إلى إنجازات وأوسمة يزين بها الشباب صدر واقعهم، ويرسمون بها ملامح وجه مستقبلهم المشرق وقد أوصى المصطفى – سيد الخلق – بالشباب خيراً لإيمانه العميق بقدراتهم وطاقاتهم الخلاقة المبدعة، كما أكد رب العزة – عز وجل – أن الشباب مرحلة قوة بين ضعفين بقوله عز من قائل : "الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيباً".

الشباب هم الشريحة الأكثر أهمية في أي مجتمع وإذا كانوا اليوم يمثلون نصف الحاضر فانهم في الغد سيكونون كل المستقبل، ومن هذه القاعدة جاء القول بان الشباب عماد المستقبل وبأنهم وسيلة التنمية وغايتها، فالشباب يسهمون بدور فاعل في تشكيل ملامح الحاضر واستشراف آفاق المستقبل، والمجتمع لا يكون قويا إلا بشبابه والأوطان لا تبنى إلا بسواعد شبابها ..وعندما يكون الشباب معدا بشكل سليم و واعياً ومسلحاً بالعلم والمعرفة فانه سوف يصبح اكثر قدرة على مواجهة تحديات الحاضر وأكثر استعدادا لخوض غمار المستقبل.

ولذلك فان جميع الأمم والشعوب تراهن دوماً على الشباب في كسب رهانات المستقبل لإدراكها العميق بان الشباب هم العنصر الأساسي في أي تحول تنموي ديمقراطي .. سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، فهم الشريحة الأكثر حيوية وتأثيرا في أي مجتمع قوي تمثل المشاركة السياسية فيه جوهر التكوين.. والحديث عن الشباب في مجتمعنا العربي هو حديث عن الحاضر والمستقبل الذي يزخر بتحولات سياسية مهمة تنتقل بشعوبنا إلى آفاق واسعة لارتياد المستقبل وتحدياته ومتطلباته التنموية والديمقراطية .

إن الشباب الأردني يميل الى الجماعة وإقامة العلاقات الاجتماعية الواسعة الامر الذي لا يساعده على التفكير الهادي،والإبداع والتجديد،فالعلماء والمبدعون والمخترعون قضوا وقتاً طويلاً من حياتهم في التفكير والتجديد والإبداع وكم سمعنا من علماء عظام أفنوا جزءاً كبيراً من أوقاتهم في المعامل والمختبرات أو المكتبات فالإبداع والتجديد لن يتأتى من خلال مجالس القتام المنغلقة.

وأخيراً ينبغي التأكيد على أن تطور وتقدم المجتمع الحضاري المعاصر يرتبط مباشرة بجيل الشباب الذي يشكل ثلثي تعداد السكان فعليه تعلق الآمال،وبه نستطيع تجاوز التخلف فماذا نستطيع أن نقدم للشباب ليتمكن من القيام بهذا الدور.

ويبرر بعض ناقي العقول هذه الغفلة، والانصراف عن هموم الوطن والأمة بأنهم يريدون أن يعيشوا حياتهم، وأن يتمتعوا بشبابهم، وكأن الشباب في مخيلتهم السقيمة للمتعة والاستمتاع فقط! ألهذا منح الشباب القوة والقدرة والمرونة؟!. ولابد من التذكير بما يقع على عاتق حسام الأمة من مسؤوليات جسام ؛ لعل الذكرى تحمل إلى الضمائر النائمة وتنقذ القلوب الغارقة في اللامبالاة واللاانتماء، وتنفض صدأ البلادة عن العقول المبدعة الواثبة الطامحة إلى غد أفضل، يعلو فيه شأن الأمة وتعاد إلى واجهة الأمم المتحضرة قولاً وعملاً.

إن ما تعانيه أمتنا اليوم من إحباط ويأس وويلات تبدأ ولا تنتهي ناتج عن إقصاء الشباب أو انشغالهم عن شؤون الأمة العظيمة بشؤون صغيرة أقرب إلى التفاهة وأبعد ما تكون عن روح الحياة الحرة الكريمة، وهذا أمر مؤسف للغاية ومؤشر بالغ الخطورة على ما ينتظر الأمة في مستقبلها القريب والبعيد على حد سوا إن أمتنا ومجتمعنا اليوم أحوج ما تكون إلى جهود العاقلين المخلصين من شبابها حاجة الأرض العطشى إلى مدامع الغيث، لأن الشباب وحدهم القادرون على حمل بشائر التفاؤل والأمل إلى صدور أبناء الأمة، القادرون على منح الأمة ابتسامة رجاء وأمل تحفظ وجودها وتمنحها إمكانية الاستمرار في مواجهة الأخطار والمحن المتكالبة على أبنائها، المحيطة بهم من كل حدب وصوب إحاطة السوار بالمعصم، ولن يكون ذلك إلا إذا تخلص الشباب من أمراض التفاهة والميل إلى اللهو واللامبالاة وتخلصوا إلى الأبد من التقليد السطحي الأعمى لأبناء الأمم الأكثر مدنية وتبرؤا من شعورهم بالغربة والانسلاخ عن وطنهم وأمتهم.

إن الانتماء الايجابي للوطن يحتم على الشباب أن يعملوا مخلصين على الخروج من ظلمة الجهل والتبعية إلى نور العلم، والشعور بالقدرة والكرامة والاستقلال، وأن يأخذوا بكل السبل المتاحة للارتقاء بأنفسهم ومجتمعاتهم وأمتهم، إلى الحد الذي يضمن لهم الكرامة والشعور بالحرية ويضمن لأمتهم الهيبة والاحترام بين أمم الأرض، وما ذلك على الشباب بعسير لو توفرت الإرادة المخلصة والعزيمة الماضية والإيمان الراسخ أن يد الله بيد كل مخلص غيور.

لن نستطيع أن نؤثِّر في الشباب، ولا أن نصل إليهم وصولاً سليمًا إلا إذا اهتممنا بما يريدون هُم أوَّلاً، لا بما نريد نحن لهم وفقط.. أن نقدِّر لهؤلاء الشباب ذاتيَّتهم ونعمل على تنميتها، ولا نحاول تحت أيِّ مسوِّغٍ التعدِّي عليها، أو أن نذيبهم في ذواتنا نحن، كي يكونوا صورًا مطابقةً لنا، إذ أثقل كاهل الدِّين كثرة المقلِّدين من أبنائه الذين أصبحوا بسبب التربية على التبعيَّة العمياء يتبعون كلَّ ناعقٍ سواء كان دعاؤه بالشرِّ أو بالخير، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تكونوا إمَّعة من حديث رواه الترمذيُّ بسندٍ حسن.

ويجب أن نبدأ من الأسرة فمن حق الشباب أن يعيشوا حياة أسرية طبيعية لتحقق الذات للشباب والمكانة الإجتماعية لينشئوا بعقلية ونفسية سليمتان ولعل أبرز هذه الاحتياجات هي : - الحاجة إلى الانتماء , فمن فقد الانتماء ضاع - الحاجة إلى الحرية الكافية - التعبير عن الذات - الشعور بالأهمية - والشعور بالانتاج والمسئولية وتحت شعار المشاركة الشعبية لا الدور المتعاظم للحكومة أخذت برامج التنمية في الدول النامية تأخذ بمفهوم تنمية المجتمعات بمفهوم تنمية المجتمعات المحلية،أو برامج الأحياء الريفي من خلال مشاركة أبناء المجتمع المحلي،وبرامج التنمية المستقلة - الإنتاج المشترك - توصيل الخدمات وتعتمد تلك البرامج على مشاركة السكان المحلين في التخطيط والتنفيذ لمشروعات التنمية،وكذا مشاركة الشباب توصيل الخدمات من خلال العمل التطوعي،وكذا الإنتاج المشترك ) مزيداً من الخدمات/ قليل من الإنفاق ) .

وبرامج التنمية في المجتمع الأردني لا تحتاج إلى الخطط الفضفاضة والعموميات فبرامج تنمية المجتمعات المحلية في ضوء احتياجاتها الفعلية على مستوى ضيق يمكن الشباب من المشاركة الفعلية من خلال مواقعهم الاجتماعية أو من خلال العمل التطوعي الذي يشكل سمة من سمات الشباب في أي مجتمع من المجتمعات،ولا يغيب عن بال الكثير ما نسمع من الأعمال التطوعية للشباب على المستوى العالمي كله،والمجتمع الغربي الصناعي بشكل خاص،الأمر الذي يحفز شبابنا على اقتحام هذا المجال الهام الذي يقاس بما يحدثه من نتائج مادية فقط ولكن ما يتركه هذا العمل التطوعي من أثار إيجابية على المستوى الاجتماعي وغرس قيم التعاون والتفاني في خدمة المجتمع - ولا ينقصنا البعد التاريخي للعمل التعاوني في المجتمع الأردني فتاريخنا كله شاهد على أن سمة التعاون صفة أصيلة فالإعانة في أيام الحصاد،والنجدة في أيام الكوارث كلها قيم ثقافية أصلية وليست طارئة فلا ينبغي أن نترك لقيم الانحطاط الثقافي أن تطمس القيم الإيجابية في حياتنا الثقافية فالعمل الإيجابي المحدود له نتائجه اللامحدودة في المستقبل.

وتبرز معوقات عديدة لمشاركة الشباب في عملية التنمية،والتخطيط وتجاوزها،وفي المجتمع الأردني تبرز أهمية الربط بين التنمية الاجتماعية والتنمية الاقتصادية،فهل يمكن أن يضطلع الشباب بدور أساسي في عملية التنمية في الوقت الذي تتركز كل اهتماماتهم على مجرد الحصول على لقمة العيش أو الشفاء من الأمراض السقيمة،كما أنه لا يمكن للشباب الأمي،أو غير المتعلم أن يراوده الأمل في القدرة على المنافسة في اقتصاد عالمي يزداد تعقيداً وتطوراً.

لابد من الحديث عن فكرة التنمية السياسية وعلاقتها بالاندماج والتجانس الاجتماعي وهنا تظهر أهمية نشر بيوت الشباب في كافة المملكة ليتسنى من خلالها وضع البرامج المتعلقة بالتنمية كما أنها ستشكل أحد المؤسسات الهامة لتعميق الولاء لمفهوم الدولة والتخلص من الولاءات الثانوية بأشكالها المختلفة حمى الله الأردن بقيادة الملك الشاب عبد الله الثاني بن الحسين حفظه الله ورعاه .