باسم سكجها يكتب :عن محاكمة الوزراء


لا يضير أن يعيد الكاتب نشر مقالة إذا شعر أنها ما زالت صالحة للاستهلاك، أو أن ما جاء فيها ما زال ينتظر، فما بالنا بمقالة نشرت قبل سنوات تطالب بتعديل دستوري يسمح بمحاكمة الوزراء بشكل طبيعي، وهذا ما صار الآن مطلباً للرأي العام.

تعمل الدولة الأردنية على تجديد نفسها، وهناك المئات من القوانين التي أقرّت أو «

عُدّلت أو في طريقها إلى ذلك، لكنّ الأمر يتمّ غالباً ليس فقط بعيداً عن مجلس النوّاب، ولكن أيضاً في غياب حوار بين الأطراف المعنية، من صحافة ومجتمع مدني وخبراء وغيرهم، وهذا ما يُفقر النتيجة النهائية ذلك الشمول المطلوب من القوانين، التي عليها أن تعبّر عن وجهة نظر المجتمع ككلّ ...

ومن القوانين والأنظمة التي عُدّلت تلك التي تعنى بتنظيم الجهاز الاداري، وتحصينه من الاختلالات التي عانى منها عشرات السنوات، ولكنّها أيضاً ظلّت تفتقر إلى الشمولية المطلوبة، ومع الصلاحيات الجديدة التي ستضاف إلى ديوان المحاسبة، وهذا مطلوب جدّاً، يبقى شيء ناقصاً هو محاكمة كبار المسؤولين إذا تورّطوا في قضايا فساد، أو سوء استخدام للسلطة ....

وعلى الرغم من أنّنا نتغنّى دائماً بعيون « الدستور الأردني « ، ونعتبره من أحسن الدساتير، إلاّ أنّه ينبغي أيضاً أن يكون محلّ نقاش، فليس سرّاً أنّه يُعطي كبار المسؤولين حصانة ضمنية من المحاكمة، حين يُصعّب تلك المسألة، فالمادة (3)/52 تقول :» يحاكم الوزراء أمام مجلس عال على ما ينسب اليهم من جرائم ناتجة عن تأدية وظائفهم « ، كما يصعّبها أكثر حين تطالب المادة التالية بأغلبية ثلثي مجلس النواب لتقديم الاتّهام، ويصعّبها أكثر وأكثر حين يعلن عن طريقة تشكيل المجلس العالي لمحاكمة الوزراء ...

فمحاكمة وزير في الأردن، بناء على ذلك، مسألة تكاد تكون مستحيلة، إلاّ تحقّقت الشروط المذكورة، وهذا ما لم يحصل أبداً، وليس في حساب أحد أنّ تاريخنا خلا تماماً من وزير فاسد أساء استعمال وظيفته العامّة لمنافع شخصيّة، فالفساد ظاهرة انسانيّة عالمية شائعة، ولم تخل دولة أو مجتمع منه على مدار كلّ العصور ...

نطالب بتعديل دستوري، إذن، يعيد الأمور إلى نصابها الصحيح، ويجعل ذوي الاختصاص هم المعنيين في المسألة، وفي هذه الحالة فالمحاكم الأردنية هي المعنية، وهذا ما يحدّد من وجود فساد، ويجعل كلفته صعبة، وليس في كلامنا هذا أدنى اتّهام لأحد، ولكنّ صلابة النظام تأتي من قدرته على احتواء الظاهرة قبل حدوثها ...

وكثيرة هي الأمور، في الدستور الاردني، التي لا بدّ من أن تكون موضع بحث وجدل وتعديل، وقد سررنا على الاستناد إلى الميثاق الوطني المنسي في قانون المجلس الأعلى للاعلام، وليس فقط إلى الدستور، ويبقى أنّنا نكتب ذلك كلّه بعد قراءتنا خبر إدانة وزيرين سوريين سابقين بتهمة الفساد، وهي المرّة الأولى التي يحاكم فيها مسؤولون سوريون بتلك التهمة، وهناك دائماً مرّة أولى لكلّ جديد ...