الحق على الحمار
أثارت مسألة رفع صورة رئيس الوزراء معروف البخيت فوق ظهر حمار في احتجاجات معان جدلا واسعا لدى ساسة وإعلاميين، وكأنه المتهم الأول في إعاقة الإصلاح، وبدا المدان في أكبر قضايا فساد في البلاد.
لست بصدد مناقشة إن كان ذلك إهانة شخصية للرئيس ام لا، كما يختلف أصحاب الرأي، إذ يعتقد عدد منهم بأنه مساس بالشخصية وبعيد عن عاداتنا الاجتماعية وأخلاقنا الحميدة، بينما يرى طرف بأنه أمر عادي ولا يجب أن يتم تضخيمه كحدث استثنائي على اعتبار أن الرئيس شخصية عامة.
بيد أن من الضرورة بمكان ذكر بعض الحقائق، فمثلا الحمار الذي استخدم للجر والحمل والتنقل قبل 4 آلاف سنة قبل الميلاد حيوان مستأنس ذكي صبور ومطيع ووديع ويحفظ الطريق من أول مرة، لا يشكو وإن كان لا بد أن يعبر عن غضبه فإنه يرفس وأحيانا تكون رفسته قاتلة، أما العض فهو نادرا ما يحدث.
تلك الحادثة شبيهة إلى حد ما بالجدل الذي حدث عند الإعلان عن قيام مسيرة للكلاب وانهالت الانتقادات من كتاب وصحافيين، وتحول الجدل إلى سؤال عن الجهة المنظمة، وماذا سنستفيد من الكلاب، ليخلص الجميع في النهاية إلى اتهام الكلاب وتحميلها المسؤولية الكاملة، بعد أن تلقت لعنات متواصلة وكأنها هي من تخبطت في الأداء وأشعلت ذلك الجدل الذي استمر أسبوعين.
الحمار أيضا تم استغلاله للمرة الثانية بعد ما ألبسه أفراد في إحدى المحافظات رداء احمر في أعياد ما يطلق عليها "الفالنتاين"، ولاقى ترحيبا من رافضين بالأصل لتلك المناسبة واعتبارها من البدع.
الحمار ينتقد على الدوام إما لشكله البشع غير الجميل ولا يجب ان نقول "بشع" رغم أن الوحشي منه يتمتع بتلك الخطوط الخلابة، سريع العدو، يركض بسهولة على الصخور وفوق الرمال وتصل سرعته أحيانا لتلك التي يتمتع بها الحصان.
أحيانا تسمع من يقول "ليش ما بتعلم هو حمار؟"، وأقوال أخرى برزت مثل "بتعلم بالتكرار مثل الحمار"، كل ذلك دون ذنب، مع العلم أنه كان مركباً للرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وحمل المسيح عيسى من جبل الطور إلى القدس، كما أهدى حاكم مصر حماراً للنبي محمد عليه الصلاة والسلام، وحمل الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عند فتح بيت المقدس.
في بريطانيا الدولة الأكثر رقيا ومعروف أنها من الموظفين للذكاء في السياسة والدبلوماسية استقبل محتجون رئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير بالأحذية والبيض.
وفي دول مثل الولايات المتحدة الامريكية يرفض محتجون توظيف حيوانات في احتجاجاتهم، حفاظا على شعورها وعدم إقحامها في جدل السياسة وتناقضات الحكم، بل يذهب المحتجون إلى ارتداء أقنعة شياطين وصور لشخصيات منبوذة، وأحيانا يصبح التعري أداة فعالة.
من يعرف البخيت شخصيا فإن أول ردة فعل على هكذا حدث أن يبتسم ولا يأخذ الأمر على محمل الجد، لسبب واحد فقط أن الرجل يعرف متى يكون جادا، في نفس الوقت هو صاحب نكتة وتلك الحادثة سيرويها فيما بعد بالتأكيد، كما تحدث عن مواقف أخرى كانت أكثر طرافة.ما أقصده أنه على الدوام نلتقط أطراف القضية، ونتشبث بأحداث غالبا ما تأتي بالصدفة وموازية، في بعض الاحيان يكون على حساب القضايا الاساسية، وخير مثال على ذلك التحول الجذري في القراءات لما يحدث في سوريا بعد زيارة سفيري واشنطن وفرنسا لمحافظة حماة.