طوارئ شبابية
مضى ما يكفي من الوقت للحديث عن الشباب خارج ردود الأفعال على الملتقى الشبابي في البحر الميت وما خلفه من ردود وتداعيات، فأزمة مشاركة الشباب تزداد تعقيدا في ضوء المعالجات التقليدية التي لم يكن لها أي فضل أكثر من كشفها عن حجم الأزمة وعمقها.
توجد أزمة حقيقية في مشاركة الشباب في الحياة العامة، حيث تنعكس تلك الأزمة في ضمور الحضور السياسي والاقتصادي للشباب الأردني نتيجة عمليات تهميش واسعة على مدى عقود وأجيال من الحكومات. التحدي يتمثل اليوم في علاقة الشباب بالنظام الاقتصادي؛ فبينما لا تتوفر أكثر من خمسة عشر الف فرصة عمل جديدة كل عام، يحتاج الشباب اعتبارا من عام 2015 خمسين الف فرصة عمل جديدة كل عام. وبالتالي فإن قاعدة الهرم السكاني، التي تتسع بشكل مطرد نحو ما يسمى بالفرصة السكانية، أي ازدياد حجم القوى المنتجة الشابة التي إن بقيت معطلة سوف تتحول إلى نقمة وقنبلة موقوتة، الأمر الذي يحتاج الى كلام أكثر جرأة وواقعية، بعيدا عن شغل الدعاية والعلاقات العامة.
الأسئلة الجادة في هذا الوقت تتجاوز السؤال التقليدي؛ هل الشباب غائبون أم مغيبون؟ وتتجاوز خلفيات التهميش من انحصار أدوار الشباب في الحياة الجامعية، وكآبة الظلال التي تلقيها أحوال العمل والبطالة وصولا إلى تراجع العمل التطوعي في أوساط الشباب إلى أدنى مستوياته من أجل الوصول إلى الأسئلة الحاسمة في هذا الوقت.
وأهم تلك الأسئلة، هل توجد إرادة سياسية قادرة على دفع الشباب الأردني لمشاركة سياسية فارقة ونوعية، وما حدود هذه الإرادة السياسية التي لا شك في وجودها، وما ضمانات أن تذهب هذه الإرادة نحو الأهداف المطلوبة لا أن تتحول إلى مجرد دعاية سياسية تخدم أطرافا وأجندات هامشية لا أكثر؟
توفرت الإرادة السياسية في دفع ممثلي الجيل الرابع من شباب الدولة الأردنية للمشاركة في انتخابات المجلسين السابق والحالي، وبالفعل كان المجلسان الأكثر حضورا شبابيا في تاريخ البرلمانات الأردنية، ولكن السؤال، كيف تم تدوير وإعادة إنتاج الإرادة السياسية آنذاك، ونحن نعرف النتيجة في نوعية المجلسين بشبابهما وشيبهما؟
حان الوقت أن ندرك أن مسألة المشاركة السياسية للشباب الأردني مسألة مصيرية، فالمجتمع الأردني يقف على الحافة اليوم والشباب هم من يحدد؛ خطوة إلى الإمام ام خطوة إلى الخلف، أي أن نعبر الحافة نحو التحديث والتغيير، أو خطوة بالاتجاه الآخر نحو الانحدار، فمرحلة العبور التي يصاغ فيها المجتمع على أسس الانفتاح والتنافس والتقانة والمعرفة تحتاج إلى مشاركة فاعلة من القاعدة السكانية التي تشكل حاضر البلاد ومستقبلها.
المشاركة السياسية للشباب ترتبط بشكل جوهري بحماية الاستقرار، فنحن اليوم امام مفهوم جديد للاستقرار وامام قوى اجتماعية جديدة هي التي تقود التغيير وتفرض فهمها للاستقرار، والعبرة في من يستوعب الدرس مبكرا؛ فاستمرار تهميش الشباب وغيابهم عن الحياة العامة جعلهم وقودا للتحولات الاجتماعية الاقتصادية، إضافة إلى أن بناء أجندة سياسية واجتماعية وللمشاركة الشبابية يعد الأساس الموضوعي لحسم العديد من القضايا الحائرة في الثقافة السياسية للشباب الأردني التي أصبحت مؤخرا مقلقة للدولة والمجتمع معاً، وهذا يعني ان تكون الدولة هي المبادرة ليس بالاحتواء ولا بالعدة والعتاد التقليديين ولا بالاستعراضات والفرجة.
هناك مصادر إعاقة مجتمعية وأخرى رسمية لمشاركة الشباب، تبدو معقدة في العديد من مظاهرها، تنال تراث الثقافة السياسية والمنظور الرسمي للمشاركة وقيم العمل والإنتاج، والعلاقة مع العشائرية والأطر المرجعية الأولية، وتراجع العمل التطوعي وأجندة الأولويات والاهتمامات الشبابية. المسألة أكبر وتحتاج خطة طوارئ جادة في التعامل مع الملف الشبابي الذي ينبض بالحياة والتهديد ولكن بعيدا عن البحر الميت!