تحركي يا حكومة

لم يعد من الممكن أن تؤجل الحكومة قراراتها الاقتصادية الصعبة. وما عادت الأمور تحتمل الاحتماء خلف لجان الإصلاح التي تضطلع بمهمة جسيمة. وما عادت المؤشرات الاقتصادية تعطي فسحة من الأمل تجاه تحسن الأوضاع من دون جهد وقرارات ومواجهة.
غالبية الفرضيات التي بنيت عليها موازنة 2011  أثبتت أنها لم تكن صحيحة. فلا النمو الاقتصادي وصل إلى 4%، بل هبط دون 2.5 % خلال الأشهر الأولى من العام، ولا الاستثمار الأجنبي ارتفع. وحتى مَغناة زيادة المبيعات العقارية كانت مدفوعة بسبب تخفيض رسوم التسجيل إلى النصف من 10إلى 5 %، رغم أن المخمنين صاروا يرفعون من قيمة العقار. ولا تحسنت نسب البطالة أو الفقر، بل تراجعت. وما انخفضت الأسعار بل ارتفعت، وما تقلص العجز التجاري بل زاد ، وزادت كذلك حالات الإفلاس خاصة في قطاع الأعمال الصغيرة والمتوسطة.
واستمر سوق البورصة في التراجع رغم ما يمر به من تذبذبات. ولم تقم الحكومة بترشيد إنفاقها، وواكبنا سوء الحظ في الغاز المصري ما رفع كلفة إنتاج الكهرباء وتوليدها. وهنالك نقص خطير في مخزون المياه في السدود. فهل هنالك حال يستدعي تحفيز الهمم وتنشيطها أكثر من هذا؟
يجب على الحكومة أن تخرج للناس وتقول لهم الحقيقة، وتشرح لهم البدائل المتاحة أمامها. ونحن لا نتحدث هنا عن استراتيجيات، ولا عن مدى متوسط أو طويل، بل نتحدث عن مدى قصير، وقصير جداً.
على الحكومة فوراً أن تبدأ بإنقاذ نفسها من النفقات، وتأخذ قراراً بتقليص الإنفاق بمبلغ لا يقل عن (800) مليون دينار ويشمل كل أبواب الإنفاق من دون استثناء.
وعلى الحكومة أن تعيد النظر في برنامج هيكلة المؤسسات الذي يقال لنا إنه سوف يكلف الأردن أكثر من (200) مليون دينار اضافية في زمن صعب. يجب أن تحافظوا على بند تخفيض الرواتب المرتفعة، وألغوا الزيادات المكلفة.
وعلى الحكومة أن تعيد النظر في قانون ضريبة الدخل فترفع ضرائب أرباح الشركات بنسبة (5 %) على الأقل. وأن تبقي الإعفاء من ضريبة دخل الأفراد في حدود ألف دينار شهرياً وليس ألفين.
وعلى الحكومة أن ترفع أسعار الكهرباء قليلاً بسبب ظروف الغاز المصري.
وعلى الحكومة أن ترفع الضرائب على جميع سلع الرفاه، ولو بنسبة 5 %.
وعلى الحكومة أن ترسل خمسين وفداً لإخوتنا في الخليج لإقناعهم بالحاجة الملحة لنا عسى أن يبحبحونا قليلاً .
وعسى أن نعيد النظر في معوقات الاستثمار العربي، ونحدد عشرة مشاريع بقيمة (5 – 6) بلايين دينار فوراً وتسهيل الإجراءات طالما أن هذه المشاريع تنجز فوراً، وتستخدم عمالة محلية، وتعود ملكيتها لأشقاء عرب.
وعلى الحكومة أن تجمع (500) مليون دينار لتقوي بها شبكة الأمان الاجتماعي لغاية تشغيل عاطلين عن العمل من الأسر الفقيرة حتى ترفع من مستوى دخلهم وتخلصهم من عذاب البطالة.
كل هذه الإجراءات ممكنة. والتكافل بين الميسورين والفقراء في هذا البلد لم يعد سمة حميدة، بل واجباً لا يحتمل الانتظار.