اسامه الرنتيسي يتحدث عن جرأة وشجاعة الوزير حازم الناصر في تصديه لحيتان المياه
أزعم بأنني أعرف النائب والوزير السابق حازم الناصر أكثر من غيري، بحكم زمالة طويلة امتدت نحو 12 عاماً، هي المرحلة الدراسية كاملة في مدارس الفحيص الحكومية. تتلمذنا سوياً على أيدي مدرسين أكفاء ما تزال الذاكرة تختزنهم، وتقدر انتماءهم وعطاءهم، بدءاً من الأساتذة محمود بنات وإلياس غانم ومنصور مصطفى منصور ومحمد أحمد شحادة وفؤاد غطاس وسلمان السلمان وأحمد البداد وحسن سرحان وحسين الخباص، وليس انتهاء بالأساتذة زاهي صويص ومحمد المر وكامل زيادات.. وتواصلت صداقتنا بعد ذلك عندما أصبح أهم المتخصصين في شأن المياه في بلادنا والشرق الأوسط، وعندما اعتلى سدة وزارة المياه، وأصبح نائباً عن البلقاء.
الناصر، وهو من السياسيين قليلي الكلام والتصريحات، فاجأني الخميس الماضي، في حوار شامل أجرته معه الزميلة "الدستور" وعلى صفحتين، بأنه يدخل عش الدبابير باختياره، ويكشف كيف تصدى لحيتان حاولت الالتفاف على ثروات البلاد الطبيعية، ويتحدث في مجمل القضايا التي تسبب الصداع هذه الأيام.
تحدث عن خالد شاهين، وكيف اصطدم به في العام 2005 من خلال مشروع الديسي عندما حاول مع غيره من الشخصيات المتنفذة في الدولة الأردنية، بعضها الآن في السجن، الحصول على عطاء مشروع الديسي وإحالته إلى شركة موارد، حيث كان له موقف مخالف في ذلك.
ويعتز الناصر كثيراً وقت توليه حقيبة وزارة الزراعة، عندما يذكر بأنه من وقف في وجه خمس مزارع كبيرة ألحقت ضرراً مالياً وبيئياً ومائياً بالأردن في منطقة الديسي، ويطالب الأردنيين بالوقوف بشكل حازم لمنع تجديد العقود التي تنتهي العام الحالي بعد أن ارتوت تلك المزارع من ماء الأردن طوال (25) سنة من دون أن يدفع مالكوها فلساً واحداً رغم المبالغ المتراكمة عليها، والتي تصل إلى نحو (18) مليون دينار أردني.
الموقف في قضية المياه لخصه الناصر في كتابه "إدارة الموارد المائية النادرة - تجربة الشرق الأوسط"، الذي صدر في العام 2009 باللغة الإنجليزية، حيث ركز على الوضع المائي في الأردن، وهو موجه للدارسين والباحثين وطلبة الجامعات وأساتذتهم وللمعنيين بالأوضاع المائية من أهل السياسة وصانعي القرار.
أبرز المحطات في مسيرة الناصر كانت خوض تجربة العمل السياسي من خلال ترشحه لانتخابات مجلس النواب الخامس عشر، والتي حقق فيها فوزاً كاسحاً، رغم الحملات التي تعرض لها، ومحاولات جهات عديدة منع وصوله إلى قبة البرلمان، لكنه بعد حل المجلس قرأ المرحلة اللاحقة بعين الخبير، وقرر بذكاء السياسي الابتعاد عن خوض الانتخابات من جديد، بعد أن عرف أن يد قوى الشد العكسي طويلة في تلك المرحلة، وأن تصميم وتركيبة المجلس الجديد لا يتناسب مع طموحاته وأحلامه، لكنه لم يبتعد عن الانتخابات، وكان لاعباً مهمّاً في المعركة الانتخابية، وخاضها بطريقته الخاصة. وحتى لو أن حازم الناصرلا يعتقد بوجود تيارات في الأردن، إلا أنه عانى كثيراً من تهمة قربه من تيار باسم عوض الله، ودفع ثمناً باهظاً من جراء ذلك، وحتى في مجلس النواب الخامس عشر بقيت التهمة ملتصقة به.
جرأة الناصر في حديثه هذه الأيام جاءت بعد أن صمت الكثيرون ممن كانوا في موقع القرار، ويتحدث من موقع الحريص على ديمومة وعصرية الدولة الأردنية، رغم أنه لا يخفي تشاؤمه من المرحلة الحالية، وأن هناك من يريد بقرار واضح إبعاد رجالات الدولة الحقيقيين عن مطبخ صنع القرار، وهذا بكل الأحوال لا يخدم المرحلة الصعبة التي تعيشها كل مفاصل الدولة، والمعضلات التي تعانيها في الجوانب المالية والسياسية، والأهم معضلة صنع القرار.
جرأة الناصر دحضت كل الإشاعات التي مست مسيرته الوزارية، والتي قيل فيها إنه أصبح من أصحاب الملايين من جراء مكاسب شخصية من عطاءات المياه، ولو كان ذلك صحيحاً أو حتى قريباً من الصحة لصمت الناصر، لكنه أثبت أن بيته ليس من زجاج، وإنما من خبرة وكفاءة وتخصص نادر ومسيرة ناجحة.