بيان صادر عن الحملة الوطنية الأردني لمناهضة جدار الفصل العنصري


تحل الذكرى السابعة لصدور القرار الاستشاري التاريخي لمحكمة لاهاي هذا العام الذي أدان في التاسع من تموز عام 2004 اسرائيل لبنائها جدار الفصل وطالبها بوقف العمل به وهدم ما بنته منه وجبر الضرر الذي وقع على الشعب الفلسطيني افرادا وجماعات وهيئات نتيجة اعمال بناء هذا الجدار، الذي تحاول اسرائيل من خلاله رسم صورة التسوية مع الجانب الفلسطيني، في ظل تحولات عميقة يشهدها العالم العربي ومناخ ثوري غير مسبوق يلف الفضاء العربي من المحيط الى الخليج.

ومع أن ثورات التغيير العربية التي سطرت انجازات غير مسبوقة وغير متوقعة بعد أن امتلكت شعوبنا العربية إرادتها الحرة وكسرت حواجز الخوف والتخويف لم تكشف بعد عن كل ما تختزنه من إمكانات وقدرات لتغيير موازين القوى مع دولة الاحتلال الاسرائيلية والقوى الدولية العاتية التي تصطف الى جانبها وتوفر لها كل سبل الدعم والحماية، إلا أن القضية الفلسطينية كما العديد من أحوال العالم العربي لن تبقى على ما كانت عليه قبل اندلاع  الثورات والانتفاضات الشعبية العربية، وستكون في طليعة القضايا العادلة لشعوبنا العربية التي ستتأثر مساراتها اللاحقة بالمناخ الثوري الذي يتم توطينه وتوطيده في أكثر من بلد عربي، والذي لن يبقى محصورا بالقطع ضمن إطار حدودها الجغرافية فقط.

المسيرات الأسبوعية المناهضة لجدار الفصل العنصري للجماهير الفلسطينية في قرى بلعين ونعلين والنبي صالح ودير نظام وغيرها من البلدات الفلسطينية التي يتهددها الجدار العازل بفقدان آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية ويفرض على سكانها المزيد من القيود والعراقيل في الحركة والتنقل وقضاء حاجاتهم الحيوية، باتت تقليدا نضاليا يتكرر أسبوعيا، حيث يشارك إلى جانب الجماهير الفلسطينية عشرات المتضامنين من مختلف أنحاء العالم، يواجهون آلة القمع الهمجية الاسرائيلية التي اعتادت أن تقمع الفعاليات الاحتجاجية بقنابل الغاز المسيل للدموع والأعيرة النارية والمطاطية والاعتقالات.

نجاح أهالي قرية بلعين في إنقاذ جزء من أراضيهم دون أن يبتلعها جدار الفصل العنصري ، كما كانت تخطط لذلك سلطات الاحتلال الاسرائيلية، يشكل حافزا للجماهير الفلسطينية لأن تتوسع في استخدام وتطوير أشكال مختلفة من المقاومة الشعبية لمجابهة الأطماع التوسعية لحكومة أقصى اليمين المتطرف الاسرائيلية على حساب أراضي وحقوق الشعب الفلسطيني، ولمواصلة الضغط على الأمم المتحدة، وخاصة على جمعيتها العامة لحملها على الوفاء بالالتزامات التي ترتبها الفتوى التاريخية لمحكمة العدل العليا الدولية عليها وعلى الدول المنضوية تحت لوائها. ومن هذه الالتزامات عدم الاعتراف بشرعية الجدار العنصري، وإجبار اسرائيل على وقف أعمال البناء فيه، وهدم ما تم انشاؤه منه.

حكومة اليمين المتطرف في اسرائيل تدرك أن موازين القوى القائمة حاليا بين كيانها العنصري والشعب الفلسطيني والشعوب العربية قد تتبدل بأسرع مما توقع. ولذا فهي تستغل انهماك الشعوب العربية وقواها الوطنية في مواجهة قوى الثورة المضادة في الداخل وحسم قضايا التغيير لمصلحتها، لتستفرد بالشعب الفلسطيني، ومسابقة الزمن لفرض مزيد من إجراءات الأمر الواقع، بالتوسع في مصادرة أراض الفلسطينيين، وتصعيد الاستيطان وتسريع عمليات البناء لاستكمال جدار الفصل العنصري، وهدم المنازل وتهويد الأحياء الفلسطينية وخاصة في مدينة القدس، إلى جانب تعمد إيصال مسار المفاوضات مع الجانب الفلسطيني إلى طريق مسدود.

كما تكثف الدبلوماسية الاسرائيلية التي يقودها أحد أبز أقطاب اليمين العنصري الفاشي ليبرمان من ابتزازها وضغوطها على مختلف دول العالم وتوظف جماعات الضغط الموالية لها، وتستخدم عتلات الترهيب والتضليل والخداع لإفشال جهود منظمة التحرير الفلسطينية في الحصول على اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول القادم بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. 

وبموازاة التهديد الأمريكي باستخدام حق النقض(الفيتو) في مجلس الأمن ضد أي مشروع قرار يستهدف تحقيق المطلب الفلسطيني بالاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة ضمن حدود الرابع من حزيران عام 1967 يوظف الاتحاد الأوروبي  نفوذه  لثني الجانب الفلسطيني عن التوجه إلى  مجلس الأمن والجمعية العامة، بحجة أن الوقت ليس ملائماً لقيام أي من الطرفين بخطواتٍ وإجراءاتٍ من جانب واحد وأن الجانب الفلسطيني يجب ان يتحاشى تعريض الموقف الأوروبي للانقسام بين مؤيّدٍ ومعارض ٍ للتصويت في الأمم المتحدة على عضويّة الدولة الفلسطينية.

لتأمين مواجهة ناجحة للمخططات والاجراءات الاسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، على الفصائل الفلسطينية ، وخاصة حركتي فتح وحماس، الشروع على الفور في ترجمة اتفاق المصالحة الى خطوات عملية تنهي حالة الانقسام، واقامة حكومة قادرة على مواجهة التحديات الهائلة المطروحة أمام الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، التي تمر بمنعطف مصيري حاد، وتعيد صياغة الموقف السياسي بالاستناد الى وثيقة الاجماع الوطني الفلسطيني، وبلورة نهج يعمل على بناء القدرات الذاتية، ويقلل تدريجيا من الاعتماد على الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة والدول الأوروبية الغربية والمؤسسات الدولية التابعة لها، الذي غالبا ما يستخدم وسيلة للضغط والابتزاز، وانتزاع مواقف لا تتماشى مع المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني.

السلطة الفلسطينية من جانبها مدعوة للعمل بشكل مثابر وحثيث على  أساس أحكام القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، وفي مقدمتها الفتوى التاريخية لمحكمة العدل العليا الدولية، لشن أوسع حملة وتحرك دوليين لتحقيق الحقوق الفلسطينية، وإنهاء الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية. الأمر الذي يتطلب رفض الانصياع للتهديدات الأمريكية الأوروبية بوقف المساعدات المالية، أو الاغراءات والوعود الزائفة بالعمل على تهيئة الأرضية لقيام اللجنة الرباعية بوضع أطر استئناف المفاوضات المباشرة وحمل الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني على العودة إلى طاولة المحادثات، والاصرار على التوجه الى الأمم المتحدة لعرض القضية الفلسطينية من كافة جوانبها، الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة ضمن حدود الأراضي المحتلة في عدوان 1967، والاستيطان وفتوى محكمة العدل العليا الدولية بخصوص جدار الفصل العنصري. 

وفي حال صدور فيتو امريكي كما هو المعتاد للحيلولة دون صدور القرار , فإن الجامعة العربية وبواسطة ممثلها في الجمعية العامة للأمم المتحدة عليها ان تعيد طرح القضية على الجمعية العامة للأمم المتحدة , وفق القرار (337) المتعلق بالاتحاد من اجل السلم , والذي جاء فيه انه في حال صدور فيتو في مجلس الامن في قضية مهمة دون مبرر قانوني ,فإن الجمعية العامة تستطيع سحب القضية من مجلس الأمن واعادتها الى الجمعية العامة لاتخاذ قرار مناسب حولها بأغلبية الثلثين , أي ان الجمعية العامة تتحول الى مجلس أمن دولي، يصدر القرارات القاطعة والنافذة واجبة التنفيذ , وتستطيع الجمعية العامة ايضا تشكيل لجنة لمتابعة تنفيذ ذلك القرار وإن استلزم الأمر استخدام القوة لتنفيذ القرار . ومطالبة الرأي العام العالمي إطلاق حركة حقوق مدنية عالمية لمناصرة الشعب الفلسطيني على غرار حملة مكافحة ومقاطعة النظام العنصري في جنوب إفريقيا.

لقد آن الأوان للسلطة الوطنية الفلسطينية، بالاستناد الى الرأي الجماعي لمممثلي مختلف الفصائل والقوى السياسية والشعبية الوطنية، أن تعيد النظر في مجمل نهجها ومنهجها التفاوضي وآداء أجهزتها في المناطق الفلسطينية الخاضعة لنفوذها  بما يعزز من صمود الشعب الفلسطيني على أرضه ويقوي عزيمته في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي، ويوظف الطاقات الثورية المتأججة لدى شعوبنا العربية لتصعيد الكفاح من أجل وضع حد لاحتلال طال أمده تتوق شعوبنا العربية كلها لانهائه وتصفية آثاره.