وهم شعار النأي بالنفس


النأي بالنفس مصطلح سياسي جديد اطلقه سعد الحريري عقب عودته الى لبنان وتراجعه عن الاستقالة التي اعلنها في الرياض، والمقصود منه بطبيعة الحال ليس عدم التدخل في شؤون الاخرين وحسب وانما يتعدى الامر ذلك الى اكثر من معنى اذ ليس واقعيا ان تنأى الاحزاب التي تمثل طوائف لبنان عن نفسها وهي المعتادة على علاقاتها الخارجية بما تؤمنه من دعم لها يبقيها ضمن دائرة الحضور والفعالية كما حال حزب الله وايران او حال تيار المستقبل مع السعودية ولغيرهما كل خيوطه المنسوجه مع طرف خارجي.
غير ان سعد الحريري الذي يعرف اكثر ما يكون الواقع السياسي في لبنان لا بد وانه اراد توجيه رسائل بعينها في اكثر من اتجاه خصوصا انه ربط النأي بالنفس مع شعار لبنان اولا. وهو يدرك ايضا انه من الصعب اخراج حزب الله من دائرة المشاركة بالحكومة بما يعكس صعوبة موقفه امام حليفته السعودية التي تضغط لإخراج ايران وحلفائها ليس من لبنان فقط وانما من اليمن وسورية والعراق ايضا حتى وان كان الثمن حربا شاملة.
وفي الوقت نفسه وبقدر ما تعمل السعودية تعمل ايران، وبطبيعة الحال لا تريد واشنطن ان تتفوق ايران وتتقدم في قوتها، وهي في كل الاحوال لن تتركها لتصل الى ذلك، كذلك الامر بالنسبة للعدو الاسرائيلي الذي يعمل اكثر ما يمكنه لإزالة ما يعتبره الخطر الحقيقي على كيانه.
وفي المقابل فإن موسكو لن تترك المنطقة كما انه ليس سهلا تجاوزها، وعليه فإنه ليس سهلا تخيل النهايات لأزمات المنطقة، فلا امريكا تستطيع فرض رؤيتها ولا روسية ايضا، وما لم يتم التفاهم بينهما فإن امد الازمة سيبقى مفتوحا او الذهاب الى حروب بالوكالة فيها وذلك قبل تخيل سيناريو حرب عالمية ثالثة.
النأي بالنفس ليس سهلا واكثر من ذلك انه ليس متاحا لأحد في المنطقة التي تربط اطرافها كل مع جهة، والفرق في لبنان انه منقسم الارتباط مع طرفي المعادلة الدولية؛ فلا الحريري بإمكانه ربطه بالسعودية فقط، ولا حسن نصر الله على ربطه كله مع ايران.