أولاد التلفزيون

الممثلة في المسلسل تخبر صديقتها بأن معدتها تؤلمها ولا تصمد فيها لقمة طعام وأنها تشعر بالوهن والدوار...فيصرخ الطفل ابن الست سنوات الذي يشاهد المسلسل مع أهله: "حامل"!!!
هي واقعة حقيقية ترويها إحدى الأمهات التي تقول إنها كانت في سبات تام، مقتنعة أن هذه المسلسلات ما هي الا تسالٍ لا تقدم ولا تؤخر حتى رأت تأثيرها في ابنها الصغير الذي أصبح يعرف عوارض الحمل من كثرة ما شاهد من المسلسلات، وهو الذي كان بالأمس القريب يسألها متعجبا من أين أتى؟ وكيف كان شكله عندما كان طفلا؟ وكيف كبر؟ ولماذا لا تصنع له أخا آخر ليلعب معه؟ وكيف خرج من فمها عندما وُلد بالرغم أن فمها صغير جدا!! طفلها الذي "لم يخرج من البيضة" وبالكاد بدأ تعلم الأبجدية أصبح يعرف كيف تشعر المرأة الحامل!!!
أم أخرى تروي أن ابنتها الصغيرة أخذت تبكي عندما أصيب البطل في المسلسل وقالت: "سيموت حبيب البطلة" فأخفت الأم ارتباكها وسارعت بالقول لها: "هذا زوجها يا ماما وليس حبيبها" وأخذت الأم تفكر: هل فرقت الصغيرة بين الزوج الشرعي والحبيب، وإذا لم تفرق فهل قبلت أن تكون بين المرأة والرجل علاقة غير شرعية دون زواج؟
بعض هذه القصص الواقعية أشد قسوة وإيلاما عندما نسمع عن أطفال أقدموا على الانتحار تقليدا لأبطال المسلسلات، حيث الانتحار هو الحل الأسهل عند كل غضب وشجار!
لم تكن تسالي إذن!! هي قيم وأفكار يتربى عليها أبناؤنا وتؤثر فيهم ويتفاعلون معها بالمتابعة والتقليد والضحك والبكاء، ويروننا نجلس معهم نحن الكبار دون أن نحرك ساكنا أو نعلق أو نغير القناة!! فلماذا سيأخذون موقفا سلبيا منها؟!
كيف نعلم أطفالنا العفة والفضيلة، وهم يرون الرجال والنساء في أحضان بعضهم دون رابط شرعي نبرره لهم، حتى لو على مستوى القصة والحبكة الدرامية؟ كيف نزرع فيهم مفاهيم الطهارة وغض البصر والحياء وغرف النوم التي شدد القرآن على الاستئذان قبل دخولها في واقع الحياة تعرض أمام ناظريهم مفتحة الأبواب بالصوت والصورة؟!
هل نبرر لهم أن هذا زوجها وهذه امرأته وهذا أبوها وتلك أخته، حتى نقلل من الانتهاكات الخلقية؟ وإلى متى ينفع ويستمر الضحك عليهم قبل أن يكبروا ويعرفوا الحقيقة المرة؟
هل نظل ننتظر أن يتزوج البطل والبطلة في الحلقات المئوية ويعيشوا في ثبات ونبات، حتى نبرر للأطفال تصرفاتهم، وأنها مهما كانت غير مقبولة فقد تكللت بهذه اللحظة المشرفة؟!
ألن يرسخ في وعي الشاب والفتاة مع التكرار الطويل أن العلاقات قبل الزواج مقبولة ما دامت النية صافية، وقد توصل في مرحلة ما إلى الزواج؟!
أليس كثير من شباب اليوم أقل حياء وأكثر جرأة على الفتيات بسبب ما رأوه وتربوا عليه من أن كل فتاة لها مفتاحها الذي يبدأ بالنظرة والسلام، ثم الكلام ثم الموعد فاللقاء وبعدها تصير الطريق مفتوحة الى ما لا نهاية!!
إلى متى سنظل في غفلة وأولادنا يتربون ما بين شاشة التلفاز وألعاب الفيديو والشوارع؟!
وفي انتظار النهايات السعيدة الشريفة، ألا تكون روما قد خربت والأذى قد حصل بالفعل في نفوس أولادنا، ولا ينفع بعدها الندم ولا التعليم؟!
قيل قديما إن اولادنا هم أكبادنا التي تمشي على الأرض، فهل نرضى لأكبادنا أن يغذيها دم فاسد؟