وزارة اللامركزية وتنمية المحافظات



باتت الأسئلة المشككة بالوصفة القانونية والادارية التي تحكم الادارة اللامركزية تتراكم مبكرا وبصورة اكثر من كل التوقعات. وعلى الرغم من شعور البعض بأن هذا التطور يشكل خيبة امل سريعة الا انه قد يمنح صناع القرار فرصة للمراجعة والتعديل قبل ان تتراكم المعطيات والاخطاء ويصبح من الصعب معالجتها.
لقد حدد قانون اللامركزية تبعية مجالس المحافظات لوزارة الداخلية وحين سُن هذا القانون دارت نقاشات واسعة حول مدى سلامة هذا الخيار اذا ما أخذ بعين الاعتبار ان الخلفية وراء التحول نحو هذا النمط من الادارة هي خلفية تنموية بالدرجة الاولى والاخيرة وليست امنية، فقد شهدنا محاولة لتكليف وزارة الداخلية بملف التنمية المحلية ولكنها لم تفلح بتحقيق النتائج المرجوة، ومع هذا مضت سلطات الدولة مجتمعة نحو هذا الخيار، الذي أفرز قبل عدة اشهر أول شكل للامركزية تشهده الادارة الأردنية، وفي ضوء تقييم خارجي يشير بوضوح الى اختلالات مبكرة في ادارة هذا الملف من جهة المرجعية المركزية؛ جاء القرار الحكومي قبل اسبوعين باعادة توزيع مرجعية هذه المجالس بين ثلاث وزارات هي وزارة الداخلية ووزارة التخطيط والتعاون الدولي ووزارة الشؤون السياسية والبرلمانية وهي وصفة اكثر تعقيدا من الأولى وتعجّل في إفشال هذه التجربة اكثر من حل مصادر الضعف التي شابت الإطار القانوني والإجرائي السابق، بل تزيد من البيروقراطية والمركزية أكثر من لو ان هذه المجالس غير موجودة.
لا يمكن عمليا ان تصمد هذه الوصفة الجديدة طويلا، وإن صمدت شكليا فإنه لا يتوقع أن تعكس الأهداف الوطنية المتركزة في تقليل الفجوة التنموية في المحافظات وإعادة بناء قاعدة انتاجية وطنية وزيادة المشاركة الاقتصادية والاجتماعية وهي أهداف لا يمكن لتلك الوزارات ان تحققها اذ لم تعمد الدولة لتطوير نموذج وطني للقيام بهذه المهمة كما يحدث في بلدان العالم، أي إنشاء وزارة مستقلة تعنى باللامركزية وتنمية المحافظات، فالأزمة التنموية التي تشهدها المحافظات وحجم التهميش الاقتصادي وانتشار ظواهر الفقر والبطالة وتراجع مؤشرات نوعية الحياة في تلك المجتمعات، كل ذلك مبرر لوجود هيكل إداري مستقل يتفرغ لهذه المهمة، إن جزءا كبيرا من اسباب تفاقم الفجوة التنموية في المحافظات ليس في تخصيص الموارد بقدر كيف كانت تدار هذه الموارد من المركز.
من المفارقات الكبيرة في ملف تنمية المحافظات علاوة على الحاجة الماسة الى فكر تنموي جديد في هذا الشأن تحديدا، نجد غياب الرؤية المشتركة الواضحة لأداء عشرات المؤسسات والجهات التي تدعي أنها تعمل في تنمية المحافظات في مختلف الميادين، حيث نجد تناقضا أحيانا في الأهداف واختلافا في وسائل العمل وآلياته، وتناقضا حتى في المعلومات والأرقام، وأحيانا أخرى نجد تكرارا في العمل يصل حد أن تضرب رأسك بالحائط غيظا، وهذا الواقع يقدم مفتاحا آخر لفهم اختلالات التنمية المحلية وعدم وصولها للأولويات الأساسية وعدم انعكاسها في حاجات الناس وفي نوعية الحياة، بمعنى غياب الإطار المؤسسي الناظم لجهود التنمية، اي ضرورة وجود جهة تنظيمية تنظم هذه الجهود وتعد مرجعية تنسيقية تضمن التراكم والتحول النوعي في التنمية وهي أبسط مقومات التنمية.
كان من المفترض ان تنتبه الحكومات الأردنية منذ زمن بعيد الى أهمية وجود وزارة تُعنى بشؤون تنمية المحافظات، تكون بمثابة الجهة الناظمة والمرجعية الفنية لعشرات المؤسسات والبرامج والصناديق التي تعمل في مجال التنمية المحلية وتسد ثغرة واسعة في أعمال الوزارات والمؤسسات الأخرى؛ ففي كل بلاد الدنيا تلجأ الحكومات الى إنشاء وزارات ذات مهمات خاصة تتطلبها حاجات اجتماعية أو اقتصادية وحتى سياسية وأحيانا وزارات طوارئ لأقاليم محددة حينما يصل إدراك صانع القرار بوجود اختلالات أو مصالح تحتاج الى أطر مؤسسية ذات سمة مؤقتة أو متوسطة المدى.