الاسلام السياسي

عدم وضوح رؤية "جماعة الاخوان المسلمين " في الاردن بخاصة والوطن العربي بعامة لكثير من القضايا السياسية- الامنية المهمة في عالم الاقطاب والشركات متعددة الجنسيات ,ومجمع الصناعات العسكرية العالمي , واتفاقيات المحميات الامنية في الخليج العربي للسيطرة على النفط العربي ,والتفاهمات في مجال التعاون العسكري والتحالف من خارج الناتو مع الولايات المتحدة الامريكية في اطار منظومة التحالف الاقليمي الامنية لحماية المصالح الحيوية الامريكية وضمان امن اسرائيل . من خلال التواجد العسكري الثابت والمتحرك في الشرق.
نجد ان هناك مراوحة واسعة من الآراء والمواقف والممارسات في صياغة المستقبل ,تؤكد الطابع التجريبي لها في السياسة المعاصرة، وليس النضوج السياسي ,حيث لا تملك الجماعة ; نظرية واحدة للدولة ولعلاقة الدين بالسياسة والاقتصاد, والهوية "الإسلام والعروبة", والعلاقة مع الغرب ، وليست لديها استراتيجية معلنة واضحة في المسألة الديموقراطية وقضية فلسطين والوحدة العربية أو الإسلامية والعدالة الاجتماعية. الا الشعار الذي تطرحه ؛ الاسلام ، هو ؛ الحل لإقامة دولة الخلافة ..
"جماعة الاخوان المسلمين " تقدمت بآرائها الفقهية في ضوء موازين القوى والتجارب الخاصة وثقافة المجتمع ،هذه ظاهرة إيجابية من حيث المرونة والواقعية ، لكن حين يتحدث أحد متزعميها عن الدولة المدنية بين الإسلام وقيم العصر والحداثة"، خاصة في مسائل الأحوال الشخصية ،التي تلحقها الجماعة عادة بالأحكام الدينية الملزمة ترى ضحالة الطرح ; لأنها لا تؤمن بالمرجعية البشرية في تسير اعمال المجتمع، ولم تصل في ادبياتها الفكرية والسياسية الى ضرورة انسجام المرجعية البشرية مع المرجعية الالهية.
وهنا يكمن الخطأ الاستراتيجي في المنهاج السياسي لجماعة الاخوان المسلمين في بناء "الدولة المدنية" في مجتمع اسلامي لولوج الدورة الحضارية الانسانية للامة .وهنا يكمن الخلل لديها في منهاج الحكم وبناء الدولة المدنية المنسجمة مع المرجعية الالهية ، بخلاف الثورة الاسلامية الايرانية، التي تمكنت من الوصول الى هذا التوافق بين المرجعية البشرية والمرجعية الالهية في مدى عمر الثورة في الثماني والثلاثين السنة الماضية من عمرها .
هل يحمل "الاخوان المسلمون" إرث المجتمع العربي المتديّن في الوطن العربي !!!, وهل يشكّلون صحوة دينية روحانية بمقدار ما يشكّل انبعاثاً لهوية ثقافية طائفية؟!!!.
الاجابة على هذه الاسئلة ,هو; ليس هناك من ملمح تجديدي في الفكر لديها يشكّل نهضة أو مشروع تحديث وتوحيد. فحيث ما صعدت الى الحكم في بلد ما أثارت عاصفة من الاختلافات التقليدية والطقوسية والمذهبية أكثر مما أوجدت حواراً يسعى إلى بلورة هوية ثقافية تقدمية جامعة للامة والملة .
لكن في خلفية المشهد السياسي , نجد ان الاخوان المسلمين في صدام مع القوى الليبرالية والقومية واليسارية المحلية مع بعض الاستثناءات والتمايز بين طروحاتهم و طروحات هذه القوى ; لان هناك علاقة تضاد ثقافي وتماهٍ سياسي, هذا عكس التجربة القومية. لانهم يقبلون النسق السياسي والاقتصادي بآلياته وقواعده وأحكامه ويرفضونه في منطق الهوية الثقافية .هم بهذا المعنى تجسيدا لفكرة صراع الحضارات والثقافات كما يطرحها الغرب المعاصر.
لا جدال في شرعية الاخوان المسلين اليوم في البلاد كحركة دعوية وارشادية ,بالرغم من أنهم خرجوا من لا شرعية الأوضاع السابقة السائدة ونالوا تأييد جمهرة واسعة من الجماهير من حقها أن تكون شريكة بلونها وثقافتها وطموحاتها في العمل السياسي شريطة الالتزام بالدولة المدنية ذات المرجعية الدينية ، لأنها اصبحت تشكل فاكهة" المشهد السياسي ، بحيث تشكل جزا من التيار المحافظ الذي يتنافس مع التيار الاصلاحي في ممارسة العمل السياسي في المجتمع الاسلامي .
لقد جاء الاخوان المسلمون الى السلطة في مصر بدعم من الولايات المتحدة الامريكية والغرب المتصهين, كما حصل في تركيا و وتونس والمغرب ومصر!!!, وقد لا يأتون بمكتسب القوة، كما هو الحال في الحرب الكونية على سورية ومن سورية ، لأسباب تتعلق في بنية النسيج الاجتماعي في بلاد الشام . وارض الرافدين.
في حال انخراط الجماعة في السلطة في مصر; لم يتكيّف الاخوان مع قيم العصر و احتياجات المجتمع و وسائل التقدم الاجتماعي والإنساني ،لكنهم انقلبوا على شرعيتهم، التي جاءت بهم من خيار الجماهير مع ثورات الربيع العربي, ومع مشاريع الإصلاح المتعددة ، كما يريدها الغرب لها لدور وظيفي مرسوم في سيناريوهات مؤامرة الحرب الكونية على سورية والعراق !!!.
لقد وجد الخلل في تجارب الثورات الشعبية في مصر وتونس وليبيا بعد عام واحد من حصولها ، لأنها لم تستكمل عملية الاصلاح في محاورها الثلاثة ؛ اصلاح النظام الاقليمي الذي فرض عبر سايكس بيكو ، وانبعاث ثقافة" فن الحياة " في المجتمع اسلامي ، واصلاح الدين في جوانبه السياسية من داخل الدين .
فالإسلام السياسي في السلطة السياسية اليوم في تركيا والمغرب ، وفي تونس ومصر لبعض الوقت ، ويسعى الى الوصول الى السلطة في سورية بالثورة المسلحة، وفي اليمن والاردن بالديمقراطية, لكنه فشل في تحقيق شعار; الاسلام هو الحل في التجربة المصرية وسقط في الامتحان من البداية في العلاقة مع كيان الاحتلال في فلسطين بالانزلاق بالتواطؤ مع اسرائيل في حرب تدمير غزة الثانية ،واصبح النظام المصري الجديد صورة محسنة عن نظام مبارك في الاستبداد والمغلف بلباس الدين ,وانكشفت عورة جماعة الاخوان المسلمين في الحكم .
لقد انخراط "الاخوان " في السلطة السياسية في مرحلة التوجه الى الدمقرطة في الوطن العربي/ مرحلة ما اطلق عليها السلام الاقليمي " كامب ديفيد " وملحقاتها ; جاء في اطار مخطط مرسوم, ومتلازم مع مخطط "الشرق الاوسط " الجديد " وظيفة من خلال تدمير المشروع النهضوي القومي في العراق وسورية لتصفية قضية فلسطين من البوابة الرئيسية لمصادرة المستقبل السياسي العربي ، بإقامة امارات الطوائف" الجديدة في المشرق العربي ،"ممالك و مشيخات الخليج، ولكن بنسخة مستحدثة عن امارات الطوائف في الاندلس .
أين يقف "الاخوان " من مسألة الاصلاح الديني من داخل الدين " ثقافة فن الحياة " الديمقراطية؟!!! . فالجواب يكمن في منهاج الاسلام السياسي في الحكم ، الذي لا يضمن التوافق بين المرجعية البشرية مع المرجعية الالهية في البعد السياسي وليس بالاطار العقائدي ، لأنه غير متوافر في ادبيتها التي يتداخل فيها الديني بالسياسي ،كما هو الحال في الدولة في العهد النبوي والعمري .
لذا نجد تحالف قيادات الجماعة حول العام مع الحكام حلفاء الولايات المتحدة الامريكية والغرب المتصهين في مواجهة الدولة المدنية الديمقراطية والتناوب السلمي على السلطة، لكن نجد ان حصول الانشقاقات في صفوف الجماعة هو نتيجة عدم قدرتها على التعاطي مع معطيات الانتقال الى الدولة المدنية الديمقراطية. في الوطن العربي الاسلامي .
خروج ملايين المصريين الى الميادين العامة" ثورة الشعب" في الديار المصرية للمطالبة برحيل "حكم المرشد "واسقاط الرئيس المنتخب ، جاء بعد عام من وصول الجماعة الى الرئاسة في مصر، وفشل تجربة الجماعة في الحكم، لان الجماعة لم تخطط لثورة اسلامية تنسجم فيها المرجعية البشرية مع المرجعية الاسلامية فحسب، بل اختطفت الثورة المصرية وسيطرت على مفاصل الدولة لأسلمتها ، وفرض النظام الشمولي في مصر باسم الدين .وهذا ما رفضه الشعب المصري بكل اطيافه السياسية والاجتماعية والفكرية في حركة تصحيحية لمسار ثورة 25 يناير 2011 .
الخلاصة والاستنتاج؛
- نشر علوم "ثقافة فن الحياة " في مجتمع اسلامي ضرورة حتمية للنهوض الحضاري للامة . بحيث يتناوب تياران سياسيين غير عقائديين السلطة سلميا في انسجام تام في دولة مدنية ديمقراطية لها مرجعية سياسية دينية .
- فشل تجربة " الاسلام السياسي " في الحكم في مصر وتركيا والمغرب وتونس لافتقار منهجها الفكري لثقافة " فن الحياة " وعدم تبني المنهاج الديمقراطي " في دولة مدنية تتناوب مكوناتها السياسية والاجتماعية السلطة سلميا.
- المطلوب من "الجماعة " مراجعة عميقة في هذه المسألة الحيوية في عملية الانتقال من الدولة الاستبدادية الى الدولة المدنية الديمقراطية قبل السقوط في دولة الاستبداد باسم الدين . لأنه ثمة حاجة ضرورة ملحة لفتح ملف الإصلاح الديني. من داخل الدين .ذلك ان الاسلام ضرورة حتمية في استكمال الدورة الحضارية الانسانية الثالثة للامة والملة، التي نجد ارهاصاتها في ثورات ما اطلق عليها "الربيع العربي"، حتى تتوافق وتنسجم المرجعية البشرية مع المرجعية الالهية في صياغة مستقبل الامة ، ليكون للامة مكانا تحت الشمس في عالم متعدد الاقطاب و الثقافات لا موضع فيه للضعقاء .
- لا تملك "الجماعة " وذراعها السياسي حول العالم؛ مكتب الارشاد العالمي وأحزابها السياسية حول العالم; النموذج الفكريً والسياسيً والاقتصادي الواحد ،لكن لدى متزعميها طروحات واجتهادات مختلفة في ميدان العمل السياسي عند الانتقال من الدعوة إلى السلطة والمشاركة في صياغة الدساتير و لأنظمة والقوانين والتحالفات مع القوى السياسية القومية واليسارية ، وفي نظرتهم للحريات العامة والفردية .
- ثلاث مرتكزات اساس متلازمة في العملية الاصلاحية الشاملة ، لان الاصلاح الديني في البعد السياسي وليس العقائدي من داخل الدين ; محور أساس من ضمن ثلاثة محاور رئيسية في العملية الاصلاحية الشاملة للانتقال من الاستبداد الى الدولة المدنية الديمقراطية ;دولة المواطنة وسيادة القانون والتناوب السلمي على السلطة. لان عملية اصلاح او تغيير الانظمة غير كافية ،اذ لم تتزامن مع الاصلاح الديني .. واصلاح الموروث المجتمعي ؛ انبعاث ثقافة" فن الحياة " في العمل العام.
*صحافي ومحلل سياسي