النظرة إلى الأردن: "وظلم ذوي القربى.."



وجد الأردن، تاريخيا، نفسه بين قضايا أقليمية مشتعلة، وكان هناك على الدوام هامش للمناورة والمراوغة، وأحيانا لاتخاذ مواقف حاسمة ومبدئية.
لكن، كان هناك باستمرار من ينتقدون الأردن إن هو فكر بمصلحته، وجعلها أولوية. اليوم ما يزال هذا النوع من النقد طاغيا في خطاب الإعلام والأيديولوجيات والصالونات، وكأنما يجوز لكل دول العالم أن تفكر بمصالحها، باستثاء الأردن الذي عليه أن يفكر بغيره قبل أن يتخذ أي قرار.
تطالعنا بشكل شبه يومي، وفي الصحافة المحلية والعربية مقالات وتحليلات لا ندري تماما من أي مصادر يستقي أصحابها آراءهم وتحليلاتهم واستشرافاتهم، فهي أقرب إلى الأمنيات الشخصية منها إلى التحليلات.
في الحياة خيارات عديدة، إذ يحق لأي شخص أن يتخذ قرارا بدعم الجانب الذي يلبي قناعاته وأفكاره وقيمه، كما يجوز، بل من الواجب أن ننتقد السياسات المحلية، وعلى مختلف الصعد؛ سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، ولكن من النزاهة والموضوعية، أيضا، أن نشير إلى الجهود الأردنية في أكثر من قضية إقليمية، خصوصا الفلسطينية التي لم يتبق اليوم من يحملها سوى الأردن إلى جانب الفلسطينيين.
النظر بسلبية وسوداوية وتهميش للدور الأردني وللسياسات الأردنية لا يصنع من الكاتب معارضة صادقة، فالمعارضة، قبل كل شيء، حالة وطنية داخلية ينبغي أن تتصف بالنزاهة والإنصاف، لا بتبني كل ما يسيء إلى الوطن؛ جغرافيا وسياسة وإنسان.
المسألة لا تتوقف عند السلبية أو انعدام اليقين، بل تتعداها نحو العدمية وتقديم أي شيء على المصلحة الوطنية التي ينبغي أن تكون عليا؛ فذات يوم قال أحد المنظرين لنظام بشار الأسد إن "من مصلحة سورية أن تنتقل النار إلى الأردن، معللا أن ذلك سوف يزيد من رقعة النزاع حين يشمل الأردن بالإضافة إلى العراق وسورية، وعنده سوف تضعف سيطرة التنظيمات المسلحة في الداخل السوري بامتدادها نحو الأردن، وسوف يستطيع النظام السوري فرض سيطرته على أرضه!!
شخص آخر اعترف أن من مصلحة القضية الفلسطينية اأن ينتقل الربيع العربي بفوضاه جميعها إلى الأردن، فعندها سوف تضعف السلطة المركزية وترخي يدها عن الحدود، ولن تستطيع إسرائيل التعامل مع الفوضى الحاصلة، ما يؤسس لهجمات نوعية تؤلم الإسرائيليين، وتجبرهم، على أقل تقدير، إلى الاعتراف بدولة فلسطينية على حدود ما.
هذه عينات من التفكير الذي يتعدى المصلحة الوطنية نحو تمني الخراب للأردن. نحن، بلا شك، نريد للنيران أن تنطفئ في سورية، ونريد أن يعاد الاعتبار للقضية المركزية، لنرى دولة فلسطينية قابلة للحياة، لكن: لماذا ينبغي أن تكون الحلول على حساب الأردن والأردنيين.
أما الجانب الآخر من الغبن والظلم الذي يتعرض له الأردن، فيتمثل بأن أي جهد يقوم به في أي موضوع، سوف لن يكون مرئيا من جهات كثيرة، بينما تكفي إشارة من زعيم أو بلد لكي يبدأ مطبلون ومزمرون كثيرون حفلهم الراقص الذي يمتد على مدار أسابيع.
هذا هو واقع الأردن اليوم، مع أن هناك دائما مساحة للموضوعية ينبغي أن لا تتعارض مع الاصطفاف والتشجيع والتحزب، وحتى ينبغي أن لا تتعارض مع الكراهية نفسها. لذلك لا يسعنا إلا القول: أيها الأردنيون؛ لا تتحمسوا كثيرا إلى الدرجة التي تتخطون فيها مصلحتكم التي لن يقدرها أو يحفظها غيركم!