علي السنيد يكتب :خلل الترتيبات المرافقة للزيارات الملكية
لا شك أن الزيارات الملكية المرتقبة للمحافظات تهدف إلى مد جسور التواصل وإدامتها بين القمة والقاعدة، وتعنى بوصول المستوى السياسي الأول للالتقاء المباشر مع الوجه الممثل للمحافظات، وأصحاب الخبرات والتجارب الناجحة فيها بهدف إجراء التقييمات المناسبة التي تحتاجها السياسات ، وذلك مع الناس مباشرة.
وقد جرت العادة أن ينتقل الملك خارج إطار نادي الرؤساء والحكام إلى الشعب مباشرة كلما سنحت الفرصة، ولإيصال رسائل ملكية إلى الحكومات بضرورة إتباع نهج التواصل والمكاشفة مع الأردنيين الذين تسعى عملية الحكم لخدمتهم، وإرضائهم، وتحقيق تطلعاتهم العادلة.
إلا أن إجراء الترتيبات المرافقة للزيارات الملكية تقتضي أن تلتزم أصولا واضحة حتى تحقق جملة أهدافها ، وهي مهمة منوطة عادة بالحكام الإداريين، والديوان الملكي، وقيادة البادية بحيث يتم الحفاظ على أهداف الزيارة بشكلها الذي يليق بها، وهي تحدث على هذا المستوى.
وقد بدا واضحا قلة الخبرة التي يبديها الحكام الإداريون بالمحافظات، وعدم المعرفة بتوازناتها الداخلية، وبالقوى الاجتماعية الفاعلة فيها، وكذلك إطار النخبة الذي يختزن هموم المحافظات، وإدراك أدق تفاصيلها.
وترتيبات الزيارات الملكية بات يعتريها خلل فادح بحيث تقفز عن متطلبات إنجاحها مما يفرز حالة تذمر شعبي إزاءها، وقد بدا واضحا اعتماد الحكام الإداريين في تحديد الحضور تبعا لرقاع الدعوة، والتي تقسم الناس حسب الأهمية، وهي مدعاة في حال انعدام الاطلاع بتفاصيل المحافظات إلى قلب التوازنات المرعية فيها، حيث يصار إلى تقديم الأصحاب والشلل إلى واجهة التمثيل في هذه الزيارات، واستبعاد الشخصيات الاعتبارية، والفكرية، ووجهاء المحافظات والألوية، والقوى الشابة المحركة لها.
وكان الأولى أن لا يحجب احد عن المشاركة في اللقاءات الملكية إذا رغب كمبدأ عام للعدالة، بحيث تتاح الفرصة لكل من أراد الحضور بالحصول على رقاع الدعوة، وعمل ترتيبات للحضور وللجان الاستقبال بما يراعي توازنات المحافظات، وتسلسل مستوى رجالاتها. فلا يعقل أن يترك حملة الدكتوراه، والمثقفين، ورجالات المحافظات دون دعوة، ووضع لجان استقبال مما هب ودب، بحيث تصبح مصدر سخرية وتندر.
وذلك مرده إلى عدم اتخاذ آلية واضحة في عملية توجيه الدعوات، والترتيبات الأخرى المتعلقة ببرنامج الزيارات كي تقوم بمهامها المتعلقة باحتواء المحافظات، وبث تطمينات ملكية لتواصل التنمية، وبلوغها غاياتها المنشودة.
ولا يجوز اعتماد ترتيبات يقترحها أفراد في المحافظات لمجرد حظوتهم في مكاتب الحكام الإداريين، وتظهر عملية استبعاد للوجه الحضاري للمحافظات من جهة أولئك الذين لا تردد لهم على هذه المكاتب، وليسوا من روادها التقليدين.
والإخلال بتوازنات المحافظات يؤثر على دور القيادات المعروفة بنزاهتها، وهي الضابط الحقيقي لقيم المجتمع وعاداته ، والقادرة على عكس الصورة الحقيقية للواقع المعاش، ويساهم ذلك في إبراز وجه غير فاعل في الحياة العامة تكتنفه الفوضى.
وربما أن الخلل في الترتيبات المرافقة للزيارات الملكية هو ذاته ما يفضي إلى تواصل حالة التذمر، والاحتجاج في المحافظات ، ويمنع الوصول إلى تسويات باتت ضرورية لوقف عملية التناقص في المشاعر الوطنية، والتي أفرزت سلسلة من التظاهرات والاعتصامات ، وما تزال تتوسع في شتى مناطق المملكة.
الزيارات الملكية يجب أن تكون متاحة للجميع، وان تعبر ببرنامجها عن بانوراما القوى الاجتماعية في المحافظات، وان يراعى أن لا تساهم في زيادة شقة التباعد بين الرسمي، والشعبي، ولتلافي التنامي في المشاعر السلبية التي تجتاح، وتتوسع في حياتنا العامة اليوم للأسف.