مضار التبديل المستمر في الحقائب الوزارية

 في غمرة الانهماك في أحاديث التعديل والتغيير الحكومي، لم يلتفت الكثيرون إلى مضار التغييرات المتكررة في الحقائب الوزارية على الاستقرار التشريعي والثقة بالإدارة العامة، التي نحن بأمس الحاجة إليها، والتي لا تؤثر فقط سلبا على المناخ الاستثماري وتجمده، بل أيضا تمتد لتضعف فرص استقطاب المزيد من الأموال وتؤدي إلى ضبابية كبيرة تجعل الكثيرين يشككون في جدوى الاستثمار رغم كل الإمكانات الكامنة.
 والمشكلة في الأردن أن تغيير الوزراء يؤدي في كثير من الأحيان إلى تخبط في السياسات القائمة، فبدلا من ترسيخ الثوابت نجد أن القوانين "تسلق" ويتم العبث بجهود سابقة، وتجميد مشاريع ذات جدوى ونسفها، وكلها بالتأكيد تفتقر للرؤية الواضحة وما يعنيه ذلك من انعكاسات وتبعات.
 فبالإضافة إلى المناخ المتلبد حاليا، فإن غياب الاستقرار التشريعي المؤسسي على مستوى الإدارات الحكومية المتصارعة في كثير من الأحيان على الصلاحيات يضعف الأداء، ولا يسهم في دفع عجلة الإنتاجية، كما يضعف الثقة بديمومة الإجراءات الحكومية.
 يشار إلى أن تسييس القرار الاقتصادي، بعيدا عن الصفة التكنوقراطية الفنية البحتة، والتي باتت آخر متطلبات الكثير من الحقائب الفنية غير السيادية، بات مشكلة بحد ذاته ايضا، لأننا حتى لو افترضنا أن الصف الثاني من القيادات الإدارية يملك الكفاءة إلا أنه أيضا يطالها التغيير المستمر وتخضع لأهواء الوزراء المسيرين نحو سياسات الترضية لا الكفاءة والعدالة.
إن تعزيز دولة القانون يتطلب صفة الاستمرارية للسياسات التي تتبعها الإدارات الرسمية بعيدا عن التخبط الذي نراه في كثير من الأحيان.
ما يحصل اليوم، أن الإسراع في سن التشريعات وتعديلها مراضاة لأهواء كثيرة، يفقد مغزى وأهمية أي تحديث يواكب التحولات المجتمعية والاقتصادية،
ولا يؤسس لنهج وطني يسمو فوق الاعتبارات الضيقة.
وإلى اليوم الذي نرى فيه تصحيحا لمسارات تأخذنا نحو ثبات أكبر للسياسات والتشريعات بغض النظر عن الأشخاص، يبقى المشهد الذي نراه اليوم بائسا مع هدف كل وزير جديد إما بتحقيق منافع فئوية تخدم تطلعاته لمرحلة ما بعد الوزارة أو في أحسن الأحوال لوضع بصماته من دون مراعاة لما تم تأسيسه من قبل.  
إن استقرار وديمومة مؤسسات الدولة الأردنية التي بنيت بخيرة الكفاءات يجب أن تقرن بثبات أكبر للسياسات التي تطبق بغض النظر عن الأشخاص.
فكم نحن أحوج اليوم من أي وقت مضى إلى أن نترفع عن الصراعات الهدامة التي تضعف وتقوض وتشل مسار التحديث الذي لا مفر منه في عصر الربيع العربي المتمدد المنادي بالحريات.
إن التعديلات الوزارية المتكررة لا يمكن أن تخدم الاستقرار التشريعي، خصوصا عندما لا يضع الوزير الجديد نصب عينيه استمرارية الإجراءات والتعليمات بقدر التغيير المنفعي والآني.