''الجزيرة'' تتآمر على الأردن واسرائيل تتفرج؟!
اخبار البلد - كتب مراسل صحيفة القدس العربي بعمان بسام بدارين : بين يدينا مثال حي وحيوي على إمكانية التلاعب التلفزيوني بالوقائع والمعلومات فمحطة الجزيرة وعند تغطيتها لجلسة البرلمان الأردني الشهيرة بدأت خبرها بالعبارة التالية: وجه 53 نائبا في البرلمان الأردني إتهاما بالفساد لرئيس الوزراء الأردني معروف البخيت .. إلخ.
تلفزيون الحكومة - أي تلفزيون البخيت - كان له رأي آخر في التعاطي مع نفس الخبر فقد بدأ تقريره على النحو التالي: قرر مجلس النواب براءة الدكتور البخيت من أي إتهامات لها علاقة بملف الكازينو بعدما صوت 61 نائبا ضد الإتهام وإمتنع ستة نواب عن التصويت .. إلخ.
كلاهما إذا- الجزيرة وفضائية الحكومة- إختار الحلقة التي تناسبه في جسم الخبر، وكلاهما لم يقل الحقيقة إلا مجتزئة ومن زاويته .. السؤال الأن : أيهما نصدق كمشاهدين ومتلقين وأيهما الأصح مهنيا؟
طبعا أدرك مسبقا أن هذا النمط من الجدل المهني والتقني ينشغل به أبناء الكار منذ عقود حيث لا إجابات شافية لأسئلة من هذا النوع لكن هذا مثال على مساحات التلاعب التي تتيحها مهنة المتاعب عندما يقرر أصحابها مغادرة منطقة الموضوعية لأبعد او لأقرب مسافة ممكنة.
ورغم عدم وجود مؤشرات لثأر شخصي بين الجزيرة والرئيس معروف البخيت إلا ان العاملين في مكتب الأخير إعتبروا تغطية الجزيرة خبيثة ولئيمة ومعادية للأردن.. تخيلوا معادية للأردن قيادة وشعبا وليس لحكومة البخيت فقط.
ولذلك سبب بطبيعة الحال فالمسؤولون الأردنيون يحبون رسم سيناريو يفترض ان الجزيرة تطاردهم وتقف ضدهم لأسباب لا تتعلق بشخصهم الكريم ولكن لأسباب تتعلق بمؤامرتها المفترضة والدائمة على الأردن والأردنيين لكن الغريب لا أحد يريد أن يتوقف ليقول: نعم تتآمر علينا فماذا نحن فاعلون في تلفزيوننا؟
ويمكننا ان نرصد هنا مستوى الفهم الموسمي عند بعض الساسة والرموز في الأردن فالوطن ومصالحه معلقان حصريا برقاب هؤلاء وأي إنتقاد إعلامي لشخص ما في مؤسسة القرار الأردنية يمكن أن يتحول فورا لإستهداف يخص النظام الأردني ولاحقا الشعب الأردني.
وهو دائما إستهداف مرتبط بالمشروع الصهيوني وأعوانه سواء في محطة الجزيرة أو في الصحافة اللندنية المهاجرة وغرضه النهائي إزعاج قلعة الصمود والتصدي الأردنية الرسمية وإضعاف الحكومة الأردنية حتى تقبل بالوطن البديل وبتسوية القضية الفلسطينية على حساب الشعب الأردني .. هكذا الأمر دوما ببساطة وبكل سذاجة في متوالية هندسية من الإتهامات المعلبة يتناسى أصحابها قصدا بأن علم إسرائيل يرفرف في ضاحية أم أذينة وتحديدا في شارع حمل إسم صلاح الدين الأيوبي وسط عمان العاصمة وبأنه ثمة سفارة للعدو الصهيوني ولجان حكومية وأمنية وتطبيعية وخلافه وثمة إتفاقية إسمها وادي عربة نصت في أحد بنودها صراحة على التوطين ووقعها بطل قومي أردني إسمه الدكتورعبد السلام المجالي.
إزاء هذه المفارقة ما يثير قلقي التالي: كيف تتآمر الجزيرة وصحافة لندن دوما على الأردن والأردنيين تحت إبط المشروع الصهيوني وتحديدا عندما تمس بعض الشخصيات أو تنتقدها فيما لا تتآمر سفارة العدو المحروسة جيدا بنفس الدرجة على الأقل؟
بالمقابل يتصور البعض أن إستفسارات المسؤولين الأردنيين عن نوايا المحطة القطرية أحيانا لها ما يبررها فقد بثت الجزيرة فجر السبت الماضي حلقة خاصة جدا عن إتفاقية وادي عربه تحدث فيها عن الموضوع العشرات من الشخصيات والمفارقة الأساسية ظهرت في وجود مدافعين إثنين فقط عن السلام والإتفاقية هما صالح القلاب وفايز الطراونة مقابل جيش من المعارضين الأشداء الذين حضروا درسهم جيدا فيما يبدو وبين هؤلاء ليث الشبيلات وتوجان الفيصل والخبير الدولي الذي أعفته المحكمة للتو من تهمة المساس بأجهزة الدولة سفيان التل وأخرون.
ويمكن القول بان أكثر المشاهد طرافة كان بطله الدكتور سفيان التل الذي وجه عبر البرنامج نداء للمسيحيين والمسلمين مطالبا إياهم بعدم التعمد او الوضوء في مياه مغطس السيد المسيح الذي إعترف به الفاتيكان والسبب بسيط حسب خبير المياه والبيئة الدولي الذي يتحدى الجميع وهو بإختصار أن المياه التي تضخها إسرائيل في نهر الأردن وبالتالي في بئر المغطس (ملوثة) وهي من مخلفات المستوطات الإسرائيلية المجاورة ومياهها العادمة.
.. إذا ووفقا للدكتور التل يتعمد السياح الأجانب من المسيحيين بمياه عادمة ويتوضأ المسلمون في المسجد المجاور للمغطس بنفس المياه الفائضة عن إستخدامات الرفاق من مستوطني الضفة الغربية للنهر الخالد وهذا يعني ان إمرأة إسرائيلية تطبخ أو تغسل وتدلق مخلفاتها في أنبوب خاص يصل إلى ذراعي شيخ مسلم او كاهن مسيحي وجبهته العريضة وتلك واحدة أساسية من ثمار وادي عربة.
لماذا ندم عبد السلام المجالي؟
وقد بدا واضحا ان حجة المدافعين عن السلام والتطبيع ذابت تماما مع الحجج والبراهين التي يوفرها الطرف الأخر من معارضي الإتفاقية وفيما نبش برنامج الجزيرة الملفات بقسوة وعنف تبين بأن السلام لا يوجد من يدافع عنه عمليا في وسط النخبة الأردنية بينما يمكن ببساطة العثور على عشرات المعارضين له أو حتى المنقلبين عليه.
وقد اشتكت لي زميله عراقية تعمل مع محطة تلفزيون ألمانية يوما من أن رموز التطبيع والسلام في المؤسسة الرسمية الأردنية يتوارون عن الأنظار ولا تجد منهم أي مستعد للظهور على الشاشة للدفاع عن خيار السلام مع الإسرائيلي فيما وجدت الزميلة كومة من الخبراء مستعدون للتنديد بالإتفاقية وبإسرائيل معها.
وهنا يمكن ببساطة ملاحظة أن مهندس إتفاقية وادي عربه وموقّعها الأردني الدكتور عبد السلام المجالي صاحب المقولة الشهيرة (اليوم ندفن الوطن البديل).. لم يظهر منذ خمس سنوات على أي شاشة أو منبر ليكرر ما قاله ووعد به يوم وادي عربه وعلى حد علمي المتواضع يرفض الرجل حتى تدوين وتوثيق مذكراته.
ولذلك سبب بكل الأحوال فقد أبلغني صديق سياسي رافق المجالي في إحدى المناسبات أنه سمع منه شخصيا التالي: أنا نادم جدا على إتفاقية وادي عربه.. ونادم أكثر على عبارة (لقد دفنا الوطن البديل) ولا أرى خطرا إسمه الوطن البديل أكثر من هذه الأيام فإسرائيل لا تريد السلام وسأستغرب إذا سمحت لنا أن نبقى في الأردن كما نحن اليوم في السنوات الخمس المقبلة فهي لن تتركنا وشأننا بتقديري وستحاول العبث مع النظام الأردني لتغيير الواقع الموضوعي.
.. ما سبق كلام الرجل الذي وقع إتفاقية السلام بإسم الشعب الأردني وليس كلامي او كلام ليث الشبيلات .. رغم ذلك تبدو صورة الدكتور فايز الطراونة التي بثتها الجزيرة شابة للغاية ومفعمة بالوداعة قياسا بصورته وهو يوقع الملفات مع الإسرائيليين تحت الشجرة الشهيرة في وادي عربه .
عجة في صحن البرلمان
.. نترك السؤال الأزلي ونعود لحفلة الكازينو فقد استغرب الزميل الكاتب حلمي الأسمر ما يلي : كل تلفزيونات ومحطات العرب والعالم إهتمت بتغطية جلسة الكازينو البرلمانية الصاخبة إلا تلفزيون الحكومة الأردنية الذي حرم المواطن الأردني من بث حي ومباشر لأهم جلسة برلمانية منذ عقود واكتفى بتقرير بائس جدا عرض وفقا لصيغة (العرس عند الجيران).. حتى هذا التقرير رسم وهندس لمصلحة البخيت شخصيا.
عليه يسأل الجميع في الأردن ومنذ 40 عاما: كيف ومتى يمكن ان يستيقظ تلفزيون الحكومة من سباته العميق؟.. حتى هذا السؤال يعرض طارحه لعلبة الإتهامات إياها فانتقاد الاوضاع المتكلسة في مؤسسة التلفزيون الميتة فنيا يصب في المحصلة بنفس قصة المشروع الصهيوني لأن التلفزيون مؤسسة سيادية وينبغي أن تكون خارج سياق النقد الإعلامي.
مع ذلك لم يتوقف سيل الطرائف التي يثيرها موضوع الكازينوعند حدود الفضائح البيروقراطية التي يعرضها تقرير لجنة التحقيق فمجلس النواب الذي صوت لبراءة رئيس الوزراء رجم لأول مرة بالبيض الفاسد ولولا تدخل رجال الشرطة لمنع رماة البيض من إكمال مهمتهم لتشكل في صحن الحرم البرلماني طبق عجة ضخم جدا حسب أحد الكتاب الساخرين لأن درجة الحرارة كانت كفيلة بشوي البيض الذي إستخدم كذخيرة شعبية للدلالة على يأس الشارع من نوابه.
ومشهد البيض المدلوق بكميات كبيرة على بوابة البرلمان الأردني إلتقطته عدسات وكالات الأنباء وكاميرات فضائيات من بينها المنار.
صديقة إلكترونية إقترحت على أن أكتب ناصحا رماة البيض من شبيبة وشبيحة المعارضة بتوفير البيضات لصنع كعكة شعبية عملاقة وتوزيعها على الفقراء ففي ذلك أجر حقيقي لرماة البيض حسب إقتراح الزميلة خصوصا وان طبق البيض في السوق المحلي يقترب سعره من ثلاثة دنانير لكل 30 حبة وأكثر بنصف دينار للطبق الذي كتب عليه (نباتي 100 %).
وبصراحة لم أعرف بعد ما هي الوجبات التي تقدم في مزارع القطاع الخاص للدجاجات البياضات حتى يصبح البيض نباتيا؟.. هل يقدم مسحوق بابا غنوج المشكل من الباذنجان أو أوراق الخس وبقايا أوراق الفجل .. شخصيا أشك بخدعة البيض النباتي على الطريقة المحلية فما أعرفه أن مزارع الدجاج الفقاس تأكل نفايات وبقايا المزابل والبيوت وما دون ذلك لن يباع طبق البيض بثلاثة دنانير لأن سعر الخضار بصراحة أغلى من الدجاج نفسه.
أخيرا لو إفترضنا ان الحراك الشعبي الأردني قرر إعتماد وصفة رمي البيض على رموز الفساد والتكلس في الخارطة الوطنية لأصبح سعر البيضة الواحدة بدينار على الأقل ولما وجد محترفو الإعتصامات بيضا يرقدون عليه - عفوا أقصد يلتهمونه -.