اللعب بالغاز يحرق الأصابع
ليست القصة خط غاز، ولا صفقة فساد تسربت من خلالها بلايين الدولارات لجيوب مسؤولين في النظام المصري السابق، وعلى رأسهم الحالم بوراثة الحكم جمال مبارك، ولا مجموعة مسلحين فجروا حتى الآن ثلاثة مواقع لخط أنابيب في شبه جزيرة سيناء يستخدم لتصدير الغاز المصري إلى الأردن وإسرائيل.. القضية بوضوح -ولإسرائيل تحديداً- قضية أمن.
لنعد إلى بداية الحكاية (الثورة)، حيث كانت تحركات الشارع المصري محط اهتمام ورقابة المستوى السياسي والأمني الأول في إسرائيل منذ اللحظة الأولى لاندلاع التظاهرات الشعبية. وبُني الموقف الإسرائيلي في بداية الأحداث وفق تقرير يقول: إن النظام الحاكم في مصر سيتمكن من احتواء الاحتجاجات الشعبية، وإن ما يجري في مصر لا يستدعي وضع "الاحتمالات السيئة" في مقدمة التوقعات.
ومع ذلك، أنشأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منذ اللحظة الأولى غرفة عمليات ضمت مسؤولي الأجهزة الأمنية ورئيس الأركان أشكنازي ووزير الحرب إيهود باراك، لكنه حرص على إبقاء الاستنفار في حدود الرقابة الأمنية وعدم التعبير عنه على المستوى السياسي، فوجه وزراءه إلى عدم التعليق على ما يجري حتى لا يتم تفسير أي تصريح رسمي بما "يضر بمصالح إسرائيل" أو "ينعكس سلباً على مجريات الأحداث في مصر".
وحصرت الحكومة الإسرائيلية اتصالاتها الدبلوماسية بمسرب اقتصر على تحرك سفراء إسرائيل في نحو عشر دول رئيسية، من بينها الولايات المتحدة وروسيا والصين وعدد من الدول الأوروبية بالإضافة إلى كندا، وتم توجيه السفراء إلى ألا يتعاملوا مع الموضوع بحساسية سياسية شديدة، وأن تتكثف مهمتهم في إبلاغ قيادات هذه الدول رسالة إسرائيلية مختصرة ترتكز على "أهمية الاستقرار في مصر".
تسارعت الأحداث في مصر، ووصلت إحدى ذراها في وقائع "يوم الغضب" (28 كانون الثاني)، ومن ثم انسحاب قوات الأمن المصرية من الشوارع. وشهدت سيناء تظاهرات واسعة ترافقت مع أحداث عنف في مناطق ومدن مختلفة، من بينها العريش التي تعرضت فيها إحدى محطات تجميع الغاز المصدّر إلى إسرائيل لتفجير متعمد. ومع امتداد التظاهرات واتساعها تغيرت اللهجة الإسرائيلية في التعامل مع ما يجري في مصر. وكان واضحا أن تل أبيب غادرت تقديراتها المبنية على الثقة بقدرة النظام المصري على استيعاب الاحتجاجات الشعبية، ووجدت فيما وقع على مقربة من الحدود مع مصر تطوراً نوعياً في مجرى الأحداث، دفعها للموافقة على دخول كتيبتين من الجيش المصري (800 جندي) إلى سيناء من أجل السيطرة على الأوضاع المتفجرة هناك.
نعود لقضية الغاز المصري الذي كشفت مجموعة من الوثائق السرية الخاصة بتصديره إلى إسرائيل عن تورط عدد كبير من الوزراء والمسؤولين ورجال الأعمال المصريين في إبرام هذه الصفقة من دون وضع مصالح البلاد الاقتصادية في المقام الأول.
وقد كُشف مؤخراً عن 30 وثيقة سرية لصفقة تصدير الغاز لإسرائيل التي أبرمها نظام مبارك مع تل أبيب. وتضم الوثائق مكاتبات ومراسلات بين كبار رجال الدولة ووزارة البترول من جهة، وبين المسؤولين المصريين مع نظرائهم الإسرائيليين من جهة أخرى لتسهيل الصفقة.
وأظهرت الوثائق الأدوار المحورية التي قام بها عاطف عبيد رئيس الوزراء الأسبق، وسامح فهمي وزير البترول السابق، ورجل الأعمال حسين سالم بوصفه رئيساً لشركة غاز شرق المتوسط المسؤولة عن تصدير الغاز إلى إسرائيل. وأيضاً المخاطبات التي جرت بين كل منهم خارج السياق المتعارف عليه، حيث كانت جميع مراسلات هذه الشخصيات معنونة بـ"سري جداً"، وتناولت العديد من الأمور كالأسعار التفضيلية وبرنامج التصدير ودور كل طرف في تسهيل الصفقة.
مصر تزود إسرائيل بـ43 % من استهلاكها من الغاز الطبيعي الذي يغذي خصوصاً المحطات الكهربائية، أما الأردن الذي تغطي وارداته من الغاز المصري 80 % من حاجاته الكهربائية، فيستورد 6.8 مليون متر مكعب من الغاز يومياً من مصر.
معلومة أخرى تتلخص في أن الأردن كان قد وافق على رفع مصر لسعر الغاز، بينما رفضت إسرائيل ذلك، والسبب أن لديها البديل الأميركي.. دائماً.
osama.rantisi@alghad.jo