الحكومة والمجتمع المدني والالتزامات الدولية للأردن


كنت ممن شاركوا في اجتماعات مجلس حقوق الإنسان بجنيف ضمن وفد مؤسسات المجتمع المدني لمناقشة تقرير الأردن المتعلق بالتزاماته في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسة.
مشاركتي في اجتماعات لمجلس حقوق الإنسان متعلقة بالأردن ودول عربية ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، فمنذ العام 2013 حين انعقد الاستعراض الدوري الشامل لواقع حقوق الإنسان في الأردن، والحكومة والمجتمع المدني يوليان أهمية لاستخدام الآليات الدولية للأمم المتحدة.
في كل مرة يشارك المجتمع المدني في اجتماعات دولية للأمم المتحدة أو غيرها يتعرض لهجوم وانتقادات غير مبررة، وليست مفهومة، ويجري شيطنته وكيل الاتهامات له وكأنه يمارس عملاً شنيعاً ضد الأردن وممارسة غير قانونية.
وواقع الحال بأن الأردن ملتزم بالمراجعة الدورية لكثير من التزاماته الدولية والحقوقية طوعاً، بمجرد مصادقته على المعاهدات والمواثيق الدولية ونشرها، وجزء أصيل من هذه الالتزامات التشاور الجاد مع المجتمع المدني عند إعداده لتقاريره الوطنية.
وللإنصاف فإن الأردن إذا ما تمت مقارنته بكثير من دول العالم العربي يعتبر حالة متقدمة بعلاقاته بمؤسسات المجتمع المدني، فهناك هوامش ومساحات للعمل لا يمكن إنكارها، وهذه الحقائق تدفعنا لمطالبة الحكومة بأن تبذل جهداً إضافياً ومؤسسياً حتى تصبح عمليات التشاور ليست شكلية ولقاءات علاقات عامة، بل سياقاً مؤسسياً، فالتشاور يفيد الحكومة ويعزز موقفها ويساعد في بناء تقارير وطنية أكثر تماسكاً وتلافياً لنقاط الضعف.
تعرف الحكومة والأجهزة التنفيذية في الدولة الأردنية أن العالم ما عاد صوتاً واحداً، والحكومات ليست اللاعب الوحيد في الاجتماعات الدولية مثلما ساد سابقاً، الآن حين تذهب الحكومة إلى اجتماعات مجلس حقوق الإنسان أو الملتقيات الدولية تجد "تقارير الظل" التي تقدمها المؤسسات المدنية المتخصصة قد سبقتها، وتدرك الحكومات أكثر من غيرها أن غياب مؤسسات المجتمع المدني الوطنية إذا ما حوصرت لن يغيّر من قواعد اللعبة كثيراً، لأن المؤسسات الدولية ستكون حاضرة وبقوة، وبالتأكيد فإن المجتمع المدني الأردني أكثر رحمة وتفهما وأكثر معرفة وإدراكاً لبعض التحديات من المؤسسات الدولية التي تضع مسطرة حقوقية بدون عواطف وطنية.
من المهم التذكير أن العالم يفهم أن حضور المجتمع المدني ومشاركته الفاعلة في الاجتماعات والمؤتمرات دليل صحة وعافية وقوة للدولة الأردنية، وليس دليل ضعف، ومن الضروري التوضيح أن تقارير الحكومة والمجتمع المدني معاً تعكس صورة أقرب للواقع، فلا الحكومة تملك وحدها احتكار الحقيقة ولا المجتمع المدني وحده يقدم الإجابات الوافية، ومهمة كل طرف أن يقوم بواجبه ومسؤوليته.
ليس مقبولاً أن نظل نناقش الأبجديات بحقوق مؤسسات المجتمع المدني، والمطلوب أن نقيّم بموضوعيو تجربة ومشاركة الحكومة في اجتماعات حقوق الإنسان، وباعتقادي أن هناك ملاحظات لا بد من الإشارة إليها لتعظيم الصورة الإيجابية للأردن.
الملاحظة الأولى أن على الحكومة أن تدرك أنها تقدم تقارير وطنية، وهذا يعني أنها تمثل الجميع، وعليها أن تستمع وتأخذ بملاحظات الجميع، لا أن تنكفئ على نفسها وتعدّ ردودها في غرف مغلقة.
الملاحظة الثانية ضرورة الاهتمام بتطوير معارف ومهارات و"تكنيك" من يقومون بكتابة تقارير الأردن، وكذلك الاهتمام باختيار ممثلي الأردن بالاجتماعات، وفي هذا السياق كانت خطوة تعيين المنسق الحكومي لحقوق الإنسان بالاتجاه الصحيح، ولا بد من تعزيز فريقه بالخبراء والحقوقيين المحترفين.
والملاحظة الثالثة المهمة هي أن المطلوب تقديم الحقائق، وليس خطابات إنشائية لا تجيب عن أسئلة الخبراء الدوليين، ولا معلومات مضللة تسقط في أول اختبار، وهذا يتطلب تطوير قاعدة ونظام معلومات يسهم في تقديم إجابات وافية.
والحقيقة التي يجب أن تقال من واقع معايشتي واستماعي للوفود الحكومة بأنها تطورت وحققت نجاحات معقولة، ولكنها تحتاج إلى تدريب أفضل ورفدها بالخبراء المساندين، وتعليمهم مهارات الاتصال المحترف، والذهاب للإجابة عن الأسئلة مباشرة دون لف أو دوران أو إضاعة الوقت.
ما حدث فرصة للمراجعة والتقييم خصوصا أن الأردن العام 2018 مقبل على الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان، وعليه منذ الآن الاستعداد لهذا الاختبار، وباعتقادي تملك الحكومة فرصة نادرة لتحقيق نجاح غير مسبوق، وهذا يعتمد على التنسيق المبكر مع مؤسسات المجتمع المدني والبرلمان وكل الأطراف الفاعلة.
باختصار الفرص لم تضع وهذه أول الطريق، فهل نستجب ونتعلم؟!