إصـلاح اقتصـادي معكـوس



الحديث عن الإصلاح السياسي مفهوم، فالمطلوب نظام ديمقراطي، يأخذ بالتعدديـة وتداول السلطة، وقوانين أحزاب وانتخابات عصرية تستطيع بلورة الإرادة الشعبية، وتعديلات دستورية تلغي معظم التعديلات التراجعية التي أدخلت على الدستور في عهد الأحكام العرفية.

أما الحديث عن الإصلاح الاقتصادي فليس مفهوماً ومحـدداً بهذا الوضوح، فالمعنى المتعارف عليه عالمياً أن الإصلاح الاقتصادي يعني تحرير الأسواق والانفتاح التجاري، والتخاصية والتحول إلى القطاع الخاص، والحد من الدعم الاستهلاكي، وتصغير حجـم الحكومة، وتخفيض العجـز المالي والحد من المديونيـة.

إلى حد ما، فإن هذه المواصفات هي ما أخذ الأردن به مختاراً أو مضطراً بعد الأزمة المالية 1988/1989 ونالت رضى الدائنين والمؤسسات الدولية والمانحين، مما حقق معظم الأهداف المنشودة عندما انتهى في منتصف عام 2004.

بعـد ذلك عادت حليمة لعادتها القديمة، وتورطت الحكومات الأردنية بالمزيد من العجز والمديونية، واستمر تضخم النفقات العامة، وتحولت المديونية من الانخفاض إلى الارتفاع، وهكذا.

ماذا يعني الإصلاح الاقتصادي الآن؟ الحكومات استمرت في النهج الذي قادنا إلى أزمة 1988/1989، واستعملت نفس المبرر، وهو أن المنح الخارجية وراء الباب.

المشكلة الأكبر في إعـداد الرأي العام الذي استطاعت قـوى معينـة أن تشكله ضد الإصلاح الحقيقي، فالرأي العام يأخـذ موقفاً ضـد التخاصية، ويطالب كثيرون بإعادة الشركات إلى حظيرة القطاع العام، ويضغط الرأي العام من أجل تثبيت أسعار المحروقات والمواد الغذائية بصرف النظر عن كلفـة استيراد هذه المواد، كما يطالب الحكومة بتوظيف أكبر عدد من الباحثين عن العمل، وقد تعهدت الحكومة فعلاً بتوظيف الآلاف، أي تكبير الجهاز الحكومي المترهل.

الثورات العربية قـد تؤدي إلى بعض التقدم في الميدان السياسي والتحول الديمقراطي، ولكنها تؤدي إلى التأخـر في ميدان الإصلاح الاقتصادي. يكفي القول إن 40% من الاقتصاد المصري بأيدي الدولة، وربعه يعود للقوات المسلحة، التي تعمـل في الصناعة والزراعة والتجارة والاسـتثمار، وتتمتع بامتيازات استثنائية.

في هذه الظروف الشاذة لا مجال للدعوة للإصلاح الاقتصادي، فالطريق غير سالكة. يكفي عـدم التراجع عن الإصلاحات التي تحققت، والتوقف عن الاتجاه بعكس السير.