عمر كلاب يكتب : قسطرة البخيت ورهاب المعارضة



 
أي شكل للعلاقة يمكن ان يتوقعه مراقب بين المعارضة والحكومة في ظل تصريحات رئيس الوزراء, بأنه رفض دخول المستشفى لاجراء قسطرة قلبية خشية من المعارضة واستغلال عارضه الصحي سياسيا, وكيف يمكن وسط هذه الريبة والشك بين المكونات السياسية الوصول الى اصلاح سياسي وخلق بيئة امنة للحوار المنتج؟ طالما ان طرفي السياسة «المعارضة والحكومة» يتبادلان الشكوك بوصفها قهوة الصباح الوطنية ويوزعان التهم على بعضهما مثل هدايا الاعياد وحلوياتها.

المعارضة تستتر خلف عدم ممارستها للسلطة وهي ترشق الحكومة بالتهم المعلبة والطازجة وتختبئ خلف نفس المتراس لنقد البرامج والقرارات لكنها لا تقدم برامج موازية او بديلة ولا تمنح الحكومات ولو على شكل قروض نصائح وطنية لإنجاح التجربة, ليس لانها ليست صاحبة التجربة فقط وغير معنية بنجاحها, بل لانها موقنة بأنها لن تصل الى مقعد الحكومة في ظل هذا الافق السياسي المسدود.

الحكومة بدورها تتمترس خلف قوالب جامدة وجاهزة في التعامل مع القادم من المعارضة, وتفترض احتكار الحكمة والعقل الوطني بمن في ذلك المعارضون الجالسون على مقاعد الحكومة الذين يتحولون الى حكوميين اكثر من الحكومة وينقلبون على ماضيهم السياسي والاجتماعي كما افرزت تجارب الايام الطويلة السابقة.

المعارضة وفق السلوك السياسي هي التي تحدد شكل الاداء الحكومي وحتى شكل الفريق الوزاري, بحكم برامجها وقدرتها على اجتراح حلول للسائد في البلاد وللازمات التي تعانيها الدولة من خلال وصولها للناس والضغط الشعبي على الحكومة, وحكاية تبرئة المعارضة من الترهل الحكومي والافق المسدود للازمات لم تعد مقبولة وفق النظريات السياسية وقياس الاداء الوطني العام, لان غياب المعارضة او تغييبها يعكس نفسه ضعفا على الدولة التي من حقها ان تستفيد من كل ابنائها سواء الجالسون على مقاعد الحكومة او المعارضون.

فالمعارضة التقليدية من الاحزاب نأت بنفسها عن المناقشة الجادة لمجريات الامور في البلاد طوال عقود خلت واكتفت ببيان ثابت القالب والكلمات يصدره ناشط حزبي موكل له مهمة اصدار البيانات سواء بالتنديد او بالتأييد, ولم تكلف نفسها عناء مراجعة البيان من قبل لجنة متخصصة او اشخاص متخصصين من خارج الحزب او داخله لذا صارت البيانات الحزبية تصريح عادي اسوة بتصاريح الناطقين الرسميين التي بالعادة لا تحتفل بها الصحف والاعلام الا بما يخدم توجهات الوسيلة الاعلامية نفسها.

نتحدث جميعا حكومة ومعارضة عن الازمة وكيف صارت بنيوية, لكننا لا نجرؤ على توجيه اصابع الاتهام الى طرفي المعادلة السياسية «معارضة وحكومة» ونكتفي بنقد الحكومة, لانه اقل كلفة من نقد المعارضة التي نجمع بأنها لا ترحم بل ومستعدة لحرق وتشويه اي ناقد لها وهي بهذا السلوك نجحت في ترهيب كثيرين يهمسون بنقدها همسا وشفاهة لكنهم يجفلون من نقدها كتابة ومواجهة.

انعدام الامل وغياب الضوء في اخر النفق هو مسؤولية حكومات متعاقبة ومسؤولية معارضة ايضا صمتت كثيرا وساومت اكثر من اجل مكاسب حزبية او شخصية, حتى باتت المعارضة اقصر الطرق واسهلها للوصول الى مقاعد الحكومة, وهذا ما اوقع البلاد والعباد في ازمة انعدام الثقة والصمت للغالبية العظمى التي لا يقنعها لا خطاب الحكومة ولا خطاب المعارضة وهو سر نجاح المعارضة الحديثة نسبيا والمتحررة من قيود وتقاليد المعارضة المزمنة وقيود الحكومات المتزمتة.