د. عيدة المطلق قناة تكتب : التعديل الحكومي .. إصلاح أم تحد للاستقرار



منذ هبة نيسان عام 1989 أخذ الأردن يشهد مجموعة من التغييرات والتحولات السياسية شكل بعضها مداً ديمقراطياً، في حين شكلت سلسلة الانتكاسات والتراجعات ضمن هذه التحولات جزراً لنفس المد الديمقراطي، ومنذ ذلك الحين شهد الأردن حالة من عدم الاستقرار انعكست في سرعة تبدل وتغير الحكومات والوزراء، حتى أصبحنا أمام ظاهرة الحكومات سريعة الذوبان، ولعل آخر تجليات هذه الظاهرة تشكيل حكومة معروف البخيت الثانية، فالحكومة التي جاءت تحت عنوان الإصلاح لم تظهر أي قدرة أو استعداد للشروع بأي خطوة إصلاحية، بل أدخلت البلاد -قبل أن تكمل شهرها السادس- في أزمات سياسية متلاحقة (كان منها: أزمة تورط مسؤولين بتهريب خالد شاهين، وأزمة التعاطي الأمني الخشن مع اعتصام شباب الرابع عشر من آذار، وأزمة ملفات الفساد وملاحقة رموزها، وأزمة الكازينو، وغيرها)، ولعل أحدث هذه الأزمات تجلى في التوتر العام الذي نشأ عن التصويت النيابي على "التقرير النيابي الخاص بملف الكازينو"، لقد أثارت مخرجات تلك الجلسة الكثير من الجدل لما اكتنف إجراءاتها من شبهات وفي مقدمتها شبهة المخالفات الدستورية (بشهادة الفقيه الدستوري الأردني د.محمد الحموري).
إن ما جرى في تلك الجلسة وما أسفر عنه التصويت من تبرئة بعض الرموز في هذه القضية واتهام بعضهم الآخر، وما استتبعه من تعديل وزاري أثار أزمة ما تزال تتفاعل وسوف تتصاعد بحسب كثير من المؤشرات، كما أعاد طرح العديد من الأسئلة المتعلقة بإشكالية الإصلاح وملفات الفساد، فضلا عن طرح "الأسس والمعايير التي تتشكل أو تتعدل بموجبها الحكومات في الأردن"!!
فالحكومات الأردنية باتت تأتي وتذهب، تتبدل وتتعدل، ويثور لغط كثير حول أسباب مجيء فلان وذهاب علان، دون أن نعرف لماذا؟ فعلى سبيل المثال:
• لم نسمع أن وزيراً من المغادرين -على حين غرة- قد خضع للمحاسبة، أو أن وزيراً ما أقيل بناء على محاسبة، أو أن سلطة تحقيق ما قد أعلمت الرأي العام بحيثيات الأسباب أو العوامل التي تم على أساسها قرار إعفاء رئيس أو وزير، أو مسؤول؟
• بعض الوزراء تم إعفاؤهم ولم يمض على وجودهم سوى بضعة أشهر، ما يعني أن هناك تقييماً قد جرى لأدائهم، فكان القرار بإعفائهم من المنصب الوزاري فقط، دون أن تتم مساءلتهم عن تداعيات هذا الأداء؟
• لم يسبق لنا أن عرفنا أو فهمنا السبب في "إعادة تدوير" بعض الأسماء، إذ يتنقل بعض الوزراء والمسؤولين من موقع إلى آخر ومن مهمة إلى أخرى، بعد أن تكون الإشاعات قد تناولتهم، بنفس المقدار والاتجاه الذي تناولت فيه من تم إعفاؤهم من نظرائهم وزملائهم؟
ففي غمرة الصخب الإصلاحي جرى التعديل الأخير على "حكومة الأزمات والتأزيم" دون أن نجد لأي من هذه التساؤلات إجابة، بل بالعكس فقد أريد بهذا التعديل أن يكون بمثابة تدخل جراحي تجميلي عاجل لاحتواء الاحتجاج الشعبي الذي ساهمت الممارسات (النيابية والحكومية) في تصعيده، وفي تأجيج حالة الغضب والرفض والاحتقان في الشارع الأردني، فإلى متى تستمر سياسة تغيير الرؤوس دون أن يطال التغيير النهج والعقول والإرادات؟
إن خيبة الأمل التي أصابت الشارع الأردني من الزحف السلحفائي للحكومة ومن تلكؤها المقصود في عملية الإصلاح، لا يمكن معالجتها بتعديلات حكومية ترقيعية، فوعود الإصلاح لم تلق من يصدقها في الشارع الأردني، خاصة أن الإصلاح الحكومي جاء في حزمة من التشريعات الإعلامية المقيدة للحريات، التي يراد بها الارتداد على شروط التحول الديمقراطي وعلى منجزات الحراك الشعبي الأردني.
لقد فقد الأردنيون الثقة بالحكومة بعد أن تأكدوا من قلة حيلتها وضعف مصداقيتها وإسرافها بالوعود الإصلاحية الإعلامية!! وهم يرون أن دورها قد انحصر في الاستخفاف بعقول الناس والرهان على استنزاف القوى الشعبية الحية التي تصر على الوصول إلى إصلاح وتغيير حقيقي وشامل!
لقد ساهم السلوك النيابي المرتبك وغير المقنع -خاصة في مسرحية الكازينو- في تعميق حالة الاحتقان في الشارع الأردني، أما السلوك الحكومي والإجراءات الالتفافية فقد ساهم في تعميق الفجوة بين السلطة السياسية والشعب وقواه المنادية بالإصلاح، كما أدى إلى استنزاف مصداقية الحكومة؛ وجعل ملف الإصلاح في مهب الريح.
الأردنيون يتطلعون إلى نهضة سياسية حقيقية تتحقق عبر مسيرة إصلاحية حقيقية شاملة ومتكاملة -باتت مفرداتها معروفة للكافة- أما سقوف هذه المسيرة فمرهونة بدرجة المصداقية وبسرعة الإنجاز، وبغير منجزات ملموسة يصبح الاستقرار السياسي برمته في عين العاصفة!!