طرق 'إلتفافية' بديلة يقترحها المحافظون على النظام بدلا من الإصلاح وقوى الحراك تصعد وتجدد في هتافاتها وتجاذب بين الخيارات الإستراتيجية

بسام بدارين -لا تبدو اتجاهات السلوك البيروقراطي الأردني عموما متصالحة أو منسجمة مع الخطاب الإصلاحي الذي يتبناه القصر الملكي وسط تواصل التجاذب في البلاد بين الخيارات الإستراتيجية الضيقة عموما.
والإنطباع العام عند كل السياسيين المخضرمين يشير بوضوح الى ان المستوى البيروقراطي بكل تحكماته ومفاصله ورموزه لا يصدق بعد بأن البلاد ينبغي ان تتجه فعليا لتحول إصلاحي شامل أو أن الفرصة متاحة فعلا لإنجاز ما يتحدث عنه المعارضون بالشارع والأحزاب والقوى السياسية.
والبقاء في نقطة التجاذب والتقليب بالخيارات بدلا من حسمها يعبر عن شكل من أشكال المقاومة الذاتية والداخلية من عمق النظام وجذوره حتى للإتجاهات التي تقررها المرجعيات في النظام خصوصا عندما تتقدم بأفكار تتجاوز أو تسبق في الواقع الطروحات المتاحة في السوق.
وقد أبلغ سياسي رفيع المستوى 'القدس العربي' بأن القصر الملكي عبر في أكثر من مناسبة عن إستيائه من المساومات الإصلاحية التي يقوم بها البيروقراطيون داعيا إلى توافقات وطنية عامة على مبادىء إصلاحية في نصوص الدستور حتى وإن انتهى الأمر بتقليص بعض الصلاحيات وتنفيذ تحولات عميقة على صعيد تداول السلطة وحكومات الأغلبية.
لكن في الواقع يستمر التردد على المستوى الحكومي والأمني بحجة الخوف من نتائج وتداعيات قفزات هائلة في المسار الإصلاحي يمكن أن تخدم تيار الحركة الإسلامية وهو تردد حذر منه علنا مؤخرا وزير الإتصال المستقيل طاهر العدوان وهو يذكر صانع القرار قبل المواطن بأن الشعب الأردني عام 2011 إختلف عن الأعوام السابقة والتراجع عن الإصلاح أو الإستمرار بلعبة شراء الوقت مجازفة حقيقية.
ونفس التعبيرات تبناها تقريبا بيان جديد لقوى الحراك الشبابي الذي أطلق على نفسه إسم 24 آذار حيث دعا الأردنيين أمس الأول لترقب 15 تموز وهو حراك إعتقد الكثيرون انه تلاشى بعد حادثة دوار الداخلية وورش الإصلاح والتفكير الذي دعمتها الدولة.
ولم تحدد حركة آذار الشبابية لماذا أو ما الذي سيحصل في 15 تموز لكنها توسعت في الحديث عن بوصلة جديدة تحكم الأردنيين لا ترضى بالحلول الإصلاحية البديلة ولا نصف الحلول وتتمسك بالإصلاح الحقيقي والجذري.
ومن الواضح ان النقاشات البرلمانية حول ملف الكازينو ولاحقا التعديل الوزاري على حكومة الرئيس معروف البخيت مسوغات أعادت تنشيط حراك الشارع وخصوصا الشابة فقد إعتبر الشيخ حمزة منصور ان الحدثين دليل إضافي على غياب إرادة الإصلاح محذرا عندما سألته 'القدس العربي' من أن الحل الوحيد للمأزق الداخلي الإنتقال للخطوة التي ينبغي أن تنتقل لها البلاد وهي حكومة إنقاذ وطني.
ويقال في أروقة الحكم والقرار بأن السبب الرئيسي الذي يمنع تشكيل وزارة جديدة بمستوى تطلعات الشارع والنخب السياسية ولغة الإصلاح هو حصريا الإحتمالية القوية لرفع أسعار المحروقات قريبا وصعوبة توريط وزارة جديدة في هذا الإتسحقاق الإقتصادي والمالي.
ويمكن ببساطة ملاحظة كيف غير الشارع هتافاته في إعتصامات الجمعة الماضية بعدما إحتفل الموظفون البيروقراطيون بإنطواء الحراك الشعبي ففي عمان عاد للأضواء هتاف 'نريد إصلاح النظام' وفي الكرك رفع المواطنون هتافا يقول 'لا لجان ولا حوار .. الشارع هو الخيار'.. وفي الطفيلة قال الهتاف المستنسخ 'بده يصير بده يصير.. الإصلاح والتغيير'.
وعودة السخونة والحرارة لمثل هذه الهتافات لا تعني إلا ان خسارة رهانات المستوى البيروقراطي على 'إختباء أو إحتواء' حراك الشارع وفشل ترتيبات شراء الوقت الحكومية.
اليوم يعيش الأردن مفارقة أساسية ومحورية أهم طرفين في المعادلة يعلنان بانهما يريدان الإصلاح والتغيير وهما القصر الملكي والشارع وبينهما يقف جيش من البيروقراطيين وأصحاب المصالح يعيقون الجميع ويحاولون تأسيس خيارات وطرق إلتفافية بديلة.