هل سيطالب النواب بتعديل الحكومة ؟!


على الرغم من أن الباص السريع لا يمر بين العبدلي والدوار الرابع، إلا أن الطرق ليست سالكة الى هذا الحد بين الحكومة والنواب، فعلاوة على ما يجري خلف الكواليس من تحفظات متبادلة بين الطرفين على أداء أعضاء المجلسين «الوزراء والنواب»، ثمة رسائل أخرى واضحة تبين بأن العلاقة ليست كما يروج لها بأنها «سمن على عسل»، لهذا نجد أن جلالة الملك يتدخل في مواقف ما، لتوضيح موقف حكومته من بعض القضايا، ويستمع الى وجهات نظر وملاحظات مجلس النواب والأعيان.
تصريحات رئيس مجلس النواب حول أداء بعض الوزراء، والتي تناقلتها بعض وسائل الاعلام أمس تعبر عن توجه نيابي مهم، فالطريق الدستوري لبقاء أو رحيل أية حكومة ينطلق من مجلس الأمة، ولمجلس النواب دور مصيري فيه، فهو المجلس الذي يمنح الثقة للحكومة، وهو الجهة الوحيدة حسب الدستور الأردني، التي يمكنها نزع هذه الثقة، علما أن نزع الثقة بالحكومة مستبعد، نظرا لأنها لم تقع في ورطة فعلية لا مع مجلس النواب، ولا على صعيد إدارتها للشأن العام، وذلك على الرغم من أن هناك الكثير من الملفات التي لا تنال شعبية كافية، إلا أننا يمكننا القول بأن شفافية الحكومة ومواجهتها للأزمات بشكل صريح، وعدم دفاعها عن بعض الأخطاء التي يسقط فيها بعض أعضائها، على اعتبار أنه إقرار منها بهذه الأخطاء، ثم قيامها بإجراء تعديل وزاري لأكثر من مرة..كلها مواقف تبين أن الحكومة متعاونة تماما وتستمع الى رأي النواب وغيره من الجهات ذات العلاقة، وهذا يعتبر نقطة إيجابية لصالحها، لا سيما حين صرح رئيس الوزراء بعد آخر تعديل حكومي، بأن «فكرة التعديل على أية حقيبة وزارية في حكومته واردة»، ولا تحتاج لمناسبة أو صفقة، وهذا وضوح يفهمه الوزراء ونفهمه في الصحافة كما يفهمه النواب وغيرهم من الجهات الرقابية.
حين يتحدث رئيس مجلس النواب بهذا الوضوح وقبل انطلاق الدورة البرلمانية العادية مطلع الشهر المقبل، فهو يرسل برسالة الى الجميع، الحكومة والشعب، والجهات التي لها علاقة بصناعة القرار، وأعتقد بأن رئيس النواب ومن خلال هذا التصريح اقترب أكثر من الناس، وقذف بطوق نجاة لكثيرين، وعلى رأسهم «الديمقراطية نفسها»، فالرقابة النيابية على أداء الحكومة وفريقها وبرامجها، والاحتكام لرأي الناس وحاجاتهم، عمل دستوري مطلوب من مجلس النواب، حيث انطلقت حوله تشكيكات كثيرة، تنال من مجلس النواب باعتباره لا حول له ولا قوة في أداء الحكومة، والمهندس عاطف الطراونة ومن خلال تحفظه على أداء بعض الوزراء يعطي الحكومة مساحة واسعة لترشيق فريقها الوزاري، علما أننا كتبنا سابقا بأن التعديل على الحكومة أصبح مطلبا بحجم استحقاق، وذكرنا أسبابا عدة تؤكد وجهة النظر وليس أقلها استحداث المجالس المحلية في قانون اللامركزية..
لنعترف بإيجابية حكومية لم يتحدث عنها أحد: ألا تلاحظون بأن الحكومة «ساعدت» النواب لتقديم أداء أكثر نزاهة؟! .. ولم تفعل كسابقاتها في الاذعان لكل ما يطلبه النواب، لا سيما في «جريمة الواسطة والمحسوبية»، حيث كان بعض النواب في المجالس السابقة يعتبرون أن تحصيل مكتسبات لناخبيهم عمل دستوري مشروع حتى وإن كان على حساب مواطنين آخرين، وهي حقيقة لا تحتاج اثباتا، فالمواقف كثيرة، ويكاد يكون هذا هو الانطباع الشعبي لدى قطاع عريض من الناخبين، فهم يقولون بأنهم انتخبوا ذلك النائب ليقوم بتعيين أبنائهم وتحصيل مقاعد جامعية لهم ..الخ المطالبات المناطقية والفئوية، لكن هذا الأداء انتهى تقريبا، وبعد مرور أكثر من عام على انتخاب مجلس النواب فلا ملاحظات ولا مواقف تؤكد أن النواب أو الحكومة يقدمان مثل هذا الأداء..
للنواب كل الرأي بالحكومة وفريقها؛ ولا أحد ينكر هذا الحق النيابي، لكنه حق يجب ممارسته بحياد، ودون حسابات الشخصنة أو الضغط على الحكومات لدرجة ابتزازها بتعديلات وتبديلات «مشروطة»، وقد يكون هذا الضغط المشروط مقبولا لو كانت الحكومات برلمانية، وتشكلها أغلبياتنيابية وائتلافات، لكنه ليس خيارا مشروعا في مثل حالتنا؛ لأن مجلس النواب يتشكل في أغلبيته من مستقلين ومن كتل برلمانية غير برامجية، ولا ننكر بالطبع وجود أحزاب في المجلس، لكن وبما أن عنوان تصريحات رئيس مجلس النواب هو النزاهة والأداء المثالي، فالجدير بالمجلس أن يثبت خلو وفاضه من أية حسابات للتوزير أو التصفيات القائمة على الشخصنة..
من حق مجلس النواب أن يطمئن الى التشكيلة الحكومية وقدرتها على تنفيذ رؤاها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، لا سيما وأن المجلس يتطابق في المواقف مع الحكومة حول ملفات مهمة، كملف التهرب الضريبي مثلا، وتوجيه الدعم لمستحقيه، والأهم من هذا استعداد النواب لتحمل مسؤوليتهم في توجيه الدولة كلها الى مواجهة الحقائق الصعبة، و»الاعتماد على الذات»، دون المراهنة على مواقف دولية وهمية، حيث تقول الحقائق بأن الجميع يتخلون عن الأردن، بل هم يتجاهلون دوره وأهميته الجيوسياسية، ويتجاوزونه بشكل يثبت للجميع بأن المراهنة على بعض الدول أصبحت خفة سياسية، لا تنسجم مع حقائق سياسية جديدة، وتحالفات وتوجهات خطيرة على المصالح الأردنية.
التعديل على الحكومة استحقاق ويبدو أن مجلس النواب وضعه على جدول أعماله غير المعلن، ولا أعتقد بأن الحكومة سترفض وجهة نظر تهدف الى مزيد من انسجام وتناغم في الأداء..