ثقافـة الاعتذار

 من علامات التحضّر والذوق السليم أن لا يتردّد المرء في تقديم اعتذاره عن أيّ تقصير أو خطأ يصدر عنه، والمجتمعات التي لا يأنف أبناؤها من الاعتذار عن أخطائهم أو تقصيرهم هي مجتمعات متحضّرة، و لئن كان للاعتذار أسبابٌ كثيرة تدفع إليه فإن من أرقى صور الاعتذار أن يكتشف المرء أنّه أخطأ في حقّ شخصٍ ما ولا علم لذلك الشخص بذلك، فيذهب إليه المخطئ معترفاً له بداية بما ارتكبه ثمّ معتذراً له عنه. إنّ شيوع ثقافة الاعتذار في أي مجتمع من المجتمعات تعني المحافظة على توازن المجتمع وتماسكه وانطلاقه بثقة وثبات نحو التقدّم والتطوّر والبناء وتخلّصه من كثير من الآفات التي تصيبه وتفتك به، لأنها تعيد المجتمع إلى حالةٍ من الصدق والالتزام. والمواقف التي تتطلب الاعتذار كثيرة، منها أن يطلب أحدٌ مساعدتك في أمرٍ لا تقدر عليه أو لا تملك أن تساعده فيه، ويجب أن تتناسب صورة الاعتذار في مثل هذه الحالة مع الموقف، كأن يكون الاعتذار متسّماً باللطف ومراعاة مشاعر من قصدك بالمساعدة. ومن المواقف التي تستدعي الاعتذار، أن تتصرف تصرفاً خاطئاً في حق شخصٍ نتيجة وهمٍ أو سوء ظن وتكتشف بعد ذلك أنك قد تسرّعت في الحكم عليه قبل أن تقدم على أيّ تصرفٍ في حقه. ومن المواقف التي تتطلب الاعتذار أيضاً سوء التعامل مع الوقت مثل عدم الالتزام بالمواعيد أو إخلافها أو عدم الوفاء بها، أو ان تدعى إلى اجتماع أو مناسبةٍ اجتماعية أو غيرها ولا تجد ظرفك مناسباً لتلبية الدعوة، أو غير ذلك كثير. إنّ الاعتذار للآخرين عن أيّ تقصير إزاءهم هو دليلٌ على احترامهم وتقديرهم، وهو شرطٌ في العلاقات الاجتماعية السليمة. لقد أصبح الاعتذار في هذا الزمن أكثر سهولةً ويسراً من ذي قبل لأنّ وفرة وسائل الاتصال في هذه الأيّام تكفل نقل الاعتذار لأصحابه في أسرع وقت من خلال الهواتف المحمولة وغيرها، ولذلك لا عذر لمن لا يعتذر عن موقف أو تقصيرٍ يتطلب منه الاعتذار