متى تصل اللحوم للسعر العادل ?
سوق اللحوم الحمراء الطازجة يعاني حالة من عدم استقرار خلال السنوات الاخيرة, من دون التوصل حتى الان الى معادلة متوازنة بين مربي الثروة الحيوانية والتجار المستوردين من جهة, وجمهور المستهلكين الذين يعانون الامرين من ارتفاعات متواصلة في هذه المادة الغذائية الاساسية لا يعرفون مبرراتها الحقيقية من جانب اخر, في الوقت الذي تكاد ان تكون فيه الحكومة واجهزتها ذات العلاقة في هذا الشأن مكتوفة الايدي تماما عن التدخل لارساء ما يطلق عليه السعر العادل الذي يأخذ في الاعتبار مصالح الجميع لا ان يبقى المواطن وحده يدفع ارباحا فاحشة ليس لها حدود لجميع الحلقات, ما دام متروكا بلا اية حماية تحت رحمة وتحكم وجبروت المسيطرين على هذه التجارة التي لا يستغنى عنها ! .
حتى الشركة الوطنية للامن الغذائي التي كان على رأس مهامها منذ تأسيسها قبل عامين, الدخول الى عالم استيراد المواشي واللحوم من اجل منع الاحتكار وفرض الاسعار من طرف واحد , تم كفت يدها عن العمل رغم نجاحها المبدئي في هذا الاتجاه, بعد ان تعرضت الى هجمة شرسة من قبل القطاع الخاص الذي اعتبرها منافسة حقيقية له لانها تكشف المستور, وبحجة انها جهة رسمية رغم انها تعمل بمشاركة بين القطاعين العام والخاص وتلتزم قواعد السوق من حيث التكاليف والارباح المعقولة بلا اي دعم مهما كان نوعه ! .
يبدو ان جميعة حماية المستهلك قد رأت ان من واجبها قبيل حلول شهر رمضان المبارك الذي لا تفصلنا عنه سوى اسابيع معدودة, اجراء دراسة ميدانية على سوق اللحوم الحمراء الذي يشهد اقبالا كبيرا في العادة خلال هذا الموسم, كانت نتائجها واضحة على ان هذه المادة الغذائية الرئيسية ما زالت تخضع الى تصاعد الوتيرة الاحتكارية التي تمارسها شركة واحدة وربما غيرها في السوق المحلية, من خلال فتح المجال امامها لتسهيل عمليات المزيد من السيطرة على هذه التجارة, ولم تجد سوى التمني على وزارة الصناعة والتجارة للعمل على افشال هذه المحاولات لانها هي المعنية بتطبيق قانون المنافسة ومنع الاحتكار ! .
الاسعار العادلة التي خلصت اليها هذه الدراسة بينت ان سعر الكيلوغرام من لحم الخروف البلدي يفترض ان لا يزيد على تسعة دنانير في حين انه يباع بحوالي اثني عشر دينارا اي بزيادة ثلاثين بالمئة, ومن العجل البلدي ثمانية دنانير في حين ان سعره يزيد على تسعة دنانير, اما بالنسبة للحوم الطازجة المستوردة فان سعرها لمختلف الانواع لا يجب ان يزيد على خمسة دنانير في حين انها لا تقل عن سبعة دنانير, وهذا ما يفسر ان بعض "المولات" تقوم بعرض اسعار مثل هذه اللحوم بحوالي 4.5 دينار للكيلوغرام الا انها تعرضها لفترات محدودة لا تتيح المجال امام المستهلكين دوما مما يجعل السعر يتذبذب بين الحين والاخر لتظل حالة عدم الاستقرار هي السائدة ! .
الاحتكار السائد في اسواق اللحوم الطازجة بات مزمنا تمر عليه السنوات من دون ان يحدث اي تغيير يذكر على معادلاته المتحكمة في احتياجات المستهلكين, الى درجة ان جمعية حماية المستهلك تدرس امكانية تنفيذ حملة جديدة لمقاطعة اللحوم الحمراء البلدية والمستوردة منها معا بعد ان ساهمت حملات سابقة لها في تراجع اسعار هذه المادة الغذائية الحيوية, الا ان النجاح في ذلك قد يكون مشكوكا فيه مع حلول شهر رمضان المبارك الذي بات على الابواب, وهذا ما يجعل المواطن يكتوي بنيران الاسعار على اختلاف انواعها اذا ما كانت ارادة التدخل الحكومي غائبة عن الجدية في متابعة المستغلين لقوت المواطنين ! .