هل يمكن إحياء تنظيم «القاعدة» في سوريا؟

في الوقت الذي كانت الولايات المتحدة تحتفي بإحياء الذكرى السادسة عشرة لهجمات الحادي عشر من ايلول 2001 ،ويتعهد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بدحر «الإرهاب» وهزيمة تنظيم «القاعدة»، كانت «القاعدة» تحتفي بالحدث ويتعهد زعيمها أيمن الظواهري بإعادة بناء المنظمة ويعمل نجل أسامة بن لادن حمزة على ترميم «القاعدة» وإيجاد موطئ قدم للتنظيم في سوريا من خلال نسج روابط جديدة وبناء هياكل متينة واستعادة صورة القاعدة بعد أن تصدعت وشهدت انشقاقات وخلافات وصراعات على تمثيل «الجهاد العالمي». عملية إعادة بناء القاعدة في الذكرى السادسة عشرة لهجمات ايلول تتزامن مع تفكك الحركات التي انشقت عن القاعدة وفي مقدمتها «داعش» و»النصرة»، حيث يواجه التنظيمان صعوبات بالغة في الحفاظ على هياكلهما التنظيمية وسيطرتهما المكانية في العراق وسوريا، الأمر الذي استثمرته القاعدة بالعمل على إيجاد روابط جديدة بقيادة حمزة بن لادن باعتباره يمثل رمزا للجهادية العالمية يمكن أن يستعيد وجه القاعدة بنسخة والده أسامة. في هذا السياق بثت مؤسسة السحاب الإعلامية التابعة للقاعدة كلمتين متزامنتين لأيمن الظواهري وحمزة بن لادن في ذكرى ايلول، رغم أن كلمة الظواهري تأخر بثها إلى منتصف تشرين اول الحالي، بينما كانت كلمة بن لادن بعد يومين من ذكرى ايلول، الأمر الذي يكشف الصعوبات الأمنية التي يواجهها الظواهري في بث رسائله فيما يتمتع حمزة بحالة أمنية مريحة، وهو ما يؤكد وجود الظواهري في خراسان ووصول حمزة إلى الشام. تتوافر كلمات الظواهري وبن لادن الابن على مضامين متشابهة، وتوجيهات إيديولوجية وتنظيمية واضحة بالعمل على إحياء «القاعدة» وإعادة بنائها وتموضعها في سوريا، فقد وجه زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري انتقاداً لاذعا في كلمة بعنوان «سنقاتلكم حتى لا تكون فتنة بإذن االله» إلى «جبهة النصرة» التي فكت ارتباطها بالقاعدة وشكلت «جبهة فتح الشام» ثم تحولت إلى العمل تحت مسمى «هيئة تحرير الشام»، حيث يشير العنوان اللافت إلى شعار «القاعدة» التاريخي بدمج البعد الجهادي بأولوية قتال العدو البعيد وقتال العدو القريب، نافياً أن يكون قد أقال أحدا من بيعته مؤكدا على أن البيعة عقد شرعي ملزم ويحرم نكثه، وانتقد الظواهري بشدة رفع شعار «قطرية الجهاد». أما حمزة بن لادن فقد ظهر في كلمته التي جاءت تحت عنوان «محنة الشام محنة الإسلام»، أكثر تحديدا حيث تناول الخلافات بين الفرقاء في سوريا والاقتتال بين الفصائل وانشقاق جماعات عن «هيئة تحرير الشام» وتحدث عن مساعٍ لحلّ الخلاف بين الجولاني وشرعيي الهيئة، داعيًا الجولاني إلى «الإصغاء» لمشايخ «الجهاد»، وأكد على قتال العدو البعيد والقريب ودعا المسلمين في كافة الدول للانضمام إلى الجهاد في سوريا ومواجهة ما أسماهم بـ «العدو الصليبي» و«الروافض». عمل تنظيم القاعدة منذ بروز الخلافات والانشقاقات بين الجهاديين إلى محاولة إحياء القاعدة في سوريا، ويبدو أن التنظيم بات على قناعة أن اللحظة الراهنة مناسبة، حيث تواترت التقارير والأخبار عن وجود حمزة بن لادن في سوريا، وحسب بعض التقارير فإن المخابرات البريطانية تلاحق في سوريا نجل زعيم تنظيم القاعدة حمزة بن لادن، ومنذ عدة أشهر لم تنقطع المشاورات بين قيادات القاعدة حول آليات عمل القاعدة في سوريا في ظل التحولات، وقد توصلت القاعدة إلى التخلي عن أي سيطرة مكانية واسعة والعودة إلى تكتيكات حرب العصابات. تستند عملية إحياء القاعدة في سوريا إلى الاعتماد على الجناح المعولم الذي رفض فك الارتباك بتنظيم القاعدة وفي مقدمتهم سيف العدل إضافة إلى مقاتلي النصرة ممن رفض القتال القطري وتكيفات النصرة الذين تمسكوا بالنهج العالمي للقتال أمثال أبو خديحة بلال خريسات، وأبو جلبيب إياد الطوبازي وسامي العريدي، وأبو القسام خالد العاروري وغيرهم، والمقاتلين المهاجرين الأجانب في حركة «أنصار الدين». ترتبط عملية إحياء القاعدة ببروز نجم حمزة بن لادن، فعندما أدرجت الولايات المتحدة، حمزة نجل أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة الراحل، على لائحتها السوداء للإرهاب بداية كانون الثاني 2017 استندت في تصنيفها حمزة بن لادن «إرهابيا دوليا» إلى أن تنظيم القاعدة قد استدخله في هياكله القيادية منذ اب 2015 ،وقد تكاثرت التحليلات البحثية والصحفية والتقارير الأمنية الاستخبارية حول مكانة حمزة بن لادن الجهادية، وطبيعة الدور الذي يمكن أن يقوم به في تجديد وإحياء تنظيم القاعدة والجهادية العالمية.

يمثل حمزة بن لادن أحد الخيارات المحتملة لقيادة تنظيم القاعدة عقب الانتكاسات التي طالتها عقب مقتل والده أسامة بن لادن في 2 ايار 2011 ،يبدو أن تنظيم القاعدة بحاجة إلى حمزة بن لادن لتجديد شرعية التنظيم لدى الجهاديين المنقسمين بعد فقدان معظم القيادات التاريخية، كما أن حمزة بن لادن يتمتع بدعم واسع لدى فروع القاعدة وما تبقى من القيادات التاريخية كسيف العدل فضلا عن مساندة الظواهري وحاجته الملحة لشخصية حمزة الكارزمية، فعقب اغتيال أسامة بن لادن وتولي الظواهري تعرضت القاعدة في باكستان لاختراقات وانشقاقات عديدة. في هذا السياق أعلنت مجموعات من المقاتلين السوريين والأجانب من مختلف الفصائل الجهادية والمتشددة في سوريا في 9 تشرين اول الماضي عن تشكيل جماعة جهادية جديدة تحت مسمى «أنصار الفرقان في بلاد الشام»وحددت أهدافها بأنها تريد «إعادة الامة لنهج االله والرسول»، وعرفت الجماعة عن نفسها بأنها «كيان سني جهادي مؤلف من مهاجرين وأنصار ممن خاضوا غالبية المعارك في سوريا وعاينوا جميع الفئات والجماعات المقاتلة في سوريا»، وهي جماعة لا علاة لها بجماعة أنصار الفرقان البلوشية التي تنشط على الأراضي الإيرانية. رغم الإعلان المثير عن تأسيس أنصار الفرقان في سوريا، والغموض الذي يطال مؤسسي الجماعة، إلا أن القاعدة بدأت فعليا بتأسيس هياكلها التنظيمية في سوريا، ولا يعدو الإعلان عن أنصار الفرقان عن بالون اختبار، بينما القاعدة باتت أمرا واقعا في سوريا، لكن نجاحها في تأسيس ملاذات آمنة وهياكل صلبة يتطلب أكثر من مسألة الإعلان وهو ما تعمل عليه القاعدة بصبر وروية بانتظار توافر الظروف الموضوعية وتفكك الجماعات الجهادية الأخرى