هذه إنجازات حكومية تتغاضون عنها


الطعن في الحكومة أصبح ثقافة رثة؛ يعرفها المفلسون والغاضبون، ولا يتقن مثقفوها الحوار ومطاردة المعنى والفكرة وتحليلها، بل دوما يقفزون الى الحلقة الأخيرة «لترحل الحكومة»! .. وكأن الرحيل أو التشكيل غرض سياسي منشود، وهو قد يكون كذلك بالنسبة لمن ضاقت مداركهم فأصبحوا مساجين في دهاليز الشخصنة وآفاقها الضيقة.
من بين أهم النجاحات الحكومية هو ما ورد في تقارير دائرة الاحصاءات العامة حول الناتج المحلي الاجمالي، وقد سبق لي الكتابة عن وزارة الزراعة وما حققته في الربع الأول من هذا العام وفي الربع الثاني ضمن قائمة القطاعات المؤثرة في الناتج المحلي الاجمالي، حيث احتل قطاع الزراعة المرتبة الأولى في النصف الأول من العام 2017، بمعدل يقترب من 14%، ولا مجال للكتابة تحليلا عن هذا النجاح؛ لأن الأسباب كثيرة، يتطلب الحديث عنها تفصيلا، التعرض الى كل ما يجري في وزارة الزراعة منذ نهاية عام 2016، وهذا ما ستوضحه وزارة الزراعة من خلال تقرير شامل، تنشره قريبا لوسائل الاعلام وللنخبة المهتمة بالاقتصاد وبالزراعة وبالأداء الحكومي الذي يستحق منا التوقف عنده، لا سيما حين تدلهم الآفاق بثقافة التشاؤم والسلبية والغضب غير المبرر..
نحن نفهم أن الوضع الاقتصادي في البلاد سيء، وندرك حجم الأزمات والتحديات وخطورتها، وقريبا سينطلق حديث عن ارقام الموازنة العامة للعام 2018، لكن ثمة قصص نجاح ملهمة، تؤكد بأننا يمكننا الاعتماد على أنفسنا وتجاوز كل التحديات، وحتى لا أطيل عليكم دعوني أتحدث عن نموذج من النجاح الذي ينطوي على قيم اردنية كبيرة في العمل العام والمؤسسية، وقد حقق نتائج طيبة منسجمة مع توجهات الحكومة والدولة، وهو نموذج من القطاع الزراعي ومن وزارتها ويقع ضمن مسؤوليات وزير الزراعة:
مؤسسة الإقراض الزراعي؛ عمرها حوالي 60 عاما، قدمت على امتداد تاريخها قروضا لدعم القطاع الزراعي بلغت قيمتها حوالي مليار دولار، واستفاد منها حوالي ربع مليون مزارع ومستثمر في الزراعة، من بينهم أكثر من 50 امرأة.
في عام 2017 قامت الحكومة بدفع مليونين و175 الف دينار عن المزارعين، وهي فوائد ترتبت في ذمتهم على قروض كانوا قد اقترضوها من المؤسسة، كما قامت وزارة الزراعة هذا العام أيضا بدفع مبلغ تجاوز 10 ملايين دينار، كتعويض للمزارعين عن خسائرهم من موجات الصقيع التي ضربت في فصل الشتاء الماضي، وهي سابقة لم تحدث على امتداد تاريخ الوزارة، ولا في تاريخ صندوق المخاطر الزراعية، الذي انطلق في رؤية جديدة تهدف الى استجلاب شركات تأمين زراعية لحماية القطاع الزراعي والمزارعين.
مؤسسة الإقراض الزراعي أيضا قدمت هذا العام إنجازا غير مسبوق، وهو تخصيص 20 مليون دينار كقروض للمزارعين والمستثمرين في القطاع الزراعي، وهي قروض بلا فوائد «أقول بلا فوائد»، وهنا تتجلى التوجهات الحكومية لدعم القطاع الزراعي والعاملين به، ومن خلال هذه المواقف الحكومية يمكننا التوصل الى أن الحكومة الحالية ممثلة بوزارة الزراعة، وبناء على توجيهات رئيس الحكومة وجهود وزير الزراعة، استطاعت أن تقدم للقطاع الزراعي دعما غير مسبوق في تاريخ الحكومات والوزارة، وليس المال وحده ما نتحدث عنه هنا، بل نتحدث عن نمط التفكير الاستراتيجي بعيد المدى الذي تفكر به الحكومة في وزارة الزراعة وفي التنمية على وجه العموم.
كل الجهود والتغييرات التي نلمسها في أداء وزارة الزراعة مبنية على التطوير والتحسين والتسويق المنافس، وهذا يظهر أيضا في توجهات مؤسسة الإقراض الزراعي، إذ تلتزم بإجراءات معينة حين تقدم قرضا لمزارع، ليكون مشروعه منتجا بطريقة غير مكلفة، وأن يقوم بتوظيف التكنولوجيا والمكننة في المشروع، ويتضمن استخدام الطاقة النظيفة والتقليل من استخدام المياه، وأن يكون المشروع من مشاريع الانتاجية المحلية الصغيرة في الأرياف والأغوار والبوادي والمدن، وهناك الكثير من المشاريع التي توفر لأصحابها مداخيل مالية تغنيهم عن الوظيفة والبحث عنها، وتجعلهم أشخاصا منتجين، يقدمون سلعا ومنتجات زراعية منافسة، ويمكن تسويقها داخل الأردن وخارجه، وهذا نمط من تنمية التفكير والانتاج جاء منسجما تماما مع توجهات الدولة الأردنية، وخروجها من نمطية التفكير المبني على «الريعية»..وهو توجه يحقق نجاحات كما نرى، لم نكن نتوقعها أن تظهر خلال أقل من عام على انطلاقها..
لا يمكن لمقالة رأي أن تحمل كل هذه المعلومات وتبين قصة نجاح حكومية أخرى خلال عام واحد ورغم كل المعيقات، فهناك الكثير من الأرقام والأفكار والنجاحات سمعت عن بعضها لأول مرة، خلال حديثي الإذاعي مع مدير عام مؤسسة الاقراض الزراعي المهندس محمد الحياري، يمكنكم سماعها في الثامنة والربع هذا المساء «الأحد»، عبر أثير إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية، في برنامج المتابعات الاذاعية الميدانية « الاعلام والشأن العام»، على أن لا يقوم الشيخ نسيم بتغيير موعد البث ثانية ..
نقوم بواجبنا في توصيل المعلومة والرقم والفكرة الملهمة، ولا نذعن لثقافة الهجوم على الحكومة وعلى المؤسسات والمسؤولين، فالمصلحة الوطنية هي هدفنا والحقيقة هي ضالتنا، والعقل هو الحكم الذي نعترف به والقاضي دوما ضمير أردني وطني حيّ.