تطلّعات لوضع اقتصادي مريح


كان الوضع الاقتصادي على سلّم أولويات أجندة جلالة الملك المعزز في لقاءه مع رئيس مجلس النواب ورؤساء الكتل النيابية وكذلك لقاء دولة رئيس الوزراء وممثلي القطاع الخاص والمناطق التنموية والمستثمرين، وتشرفت بالمشاركة والمداخلة بلقاء دولة الرئيس بصفتي رئيساً لهيئة مديري شركة تطوير الشمال ومنطقة إربد التنموية المنبثقة عنها، فكانت الرؤية الملكية الاقتصادية تُطبَّق من خلال البرامج الحكومية بتكاملية وتناغم، وكان الجميع يتطلّع للقادم ليكون بأفضل حال وبنظرة تفاؤلية وواقعية.
حيث أنّ تفهُّم الجميع حكومة ونوابا ومواطنين للوضع الإقتصادي والتحديات جلّ مهم في هذه المرحلة المفصلية حيث إضطراب الوضع الإقليمي والحديث عن تداعيات مستقبلية على محاور عدّة بالمنطقة، فصمود الأردن وحالته الآمنة والمستقرّة سياسياً وعسكرياً وإقتصادياً يُعدّ قصة نجاح لا ينكرها إلّا جاحد، حتى وإن كان هنالك معاناة إقتصادية وفقر وبطالة عند فئة الشباب!
ولعل الأنسب لعنوان المرحلة القادمة هو المواطنة الصالحة والاعتماد على الذات وضبط النفقات وترشيد الاستهلاك ودعم الطبقتين الوسطى والفقيرة وذوي الدخل المحدود وانعكاس الخدمة على المواطن ودعمه، وهذه جلّها توجيهات ملكية سامية مباشرة للحكومة لترجمتها لبرامج عمل من خلال حلول إبداعية وابتكارية جديدة لتساهم في تحسين معيشة المواطنين.
وتوجّهات الحكومة وفق دولة الرئيس باتت معروفة، إذ إن الدعم الحكومي سينصب على دعم المواطن لا السلع لضمان إيصال الدعم لمستحقيه، حيث يتواجد على أرض المملكة ما يربو عن ثلاثة ملايين ونصف المليون من غير الأردنيين، فالديموغرافيا الآن متنوّعة على أرض المملكة كنتيجة لاستقبال الأردن المزيد من أفواج اللاجئين وتحمّله وفق ثوابته القومية والدينية والإنسانية، وحان الوقت فعلاً ليلمس المواطن الأردن دون غيره من الوافدين وضيوف الوطن خصوصية في دعم السلع الرئيسة لتنعكس على وضعه المالي والاقتصادي.
فخطط زيادة النمو وتحفيز الإقتصاد وتقديم التسهيلات للمستثمرين والبيئة الجاذبة لهم لخلق فرص العمل عناوين عريضة للسنوات القادمة لنلمس شيئا على الأرض في مطلع العام القادم، وهذا ما صرّح به جلالة الملك الذي قلبه على المواطن وخدمته ورفاهه.
كما أن الإصلاح على المدى البعيد يتطلّب إدارة الموارد البشرية والتركيز على التعليم التقني وتغيير الثقافة المجتمعية والنمط الإستهلاكي كأمور متداخلة وتتطلب العمل عليها بجدية أكثر ليلمس الجميع تغييرات جذرية في ثقافتنا المجتمعية صوب العمل الجاد وبكفاءة وإنتاجية.
فالترهل الحكومي الإداري يحتاج لثورة إصلاحية بيضاء في الإدارة كما يحتاج التركيز على برامج الحكومة الإلكترونية واحترام المراجعين ومتلقي الخدمة وتقديم خدمات متميزة لهم لغايات أن يلمس المواطن اهتماما به لتحسين ظروفه الاقتصادية وتقديم الخدمة المثلى له.
كما أن قانون ضريبة الدخل الجديد يجب أن يعالج مسألة التهرب الضريبي ويجب أن لا يمس جيوب الطبقتين الفقيرة والمتوسطة ويجب أن لا يدفع المواطن ثمن الإصلاحات الضريبية لا بل يستفيد منها من خلال ملاحقة المتهربين ضريبياً وخصوصاً من لا يمتلكون وثائق الرواتب الثابتة والتي هي في متناول الحكومة، وهنا مطلوب من الحكومة وضع آلية للتحقق من فوترة كل شيء ليستفيد منها الدافع ويحاسب عليها المُستلم.
ومفصل مشاركة القطاع الخاص وإنشاء المشاريع الصغيرة والمتوسطة جُلّ مهم لجانب الإصلاحات المالية والاقتصادية شريطة حماية الطبقة الوسطى المتآكلة ومحدودي الدخل سيخرج الاقتصاد الوطني من عنق الزجاجة.
كما أن التركيز على الواقع التنموي ومشاريع اللامركزية في ظل سياسة الاعتماد على الذات ستؤول لبرنامج وطني إقتصادي غير منعوت بإملاءات خارجية، ولعلها الفرصة المواتية في ظل تطبيق قانون اللامركزية لأول مرّة لنساهم في إنجاح وضع الأولويات التنموية في المحافظات والألوية وخصوصاً مناطق الأرياف والمناطق النائية.
هنالك نجاحات اقتصادية على الأرض في بعض المناطق التنموية تسجّل وحققت فرص عمل وقصص نجاح وريادية لا ينكرها إلا جاحد! ومع ذلك نحتاج للتركيز أكثر وجلب الاستثمارات الداخلية والخارجية لهذه المناطق والتي تضخ فرص العمل بإطّراد.
ولهذا فإن ذلك يتطلّب استراتيجية وطنية بحتة للاعتماد على الذات ترجمة للرؤى الملكية السامية، والكرة في مرمى الحكومة لإنجاز هذا العمل الوطني الكبير والذي طالما تمناه الجميع بدلاً من انتظار المساعدات والوقوع تحت رحمة الآخرين!
وحيث أن ما يربو عن ستين بالمائة من الدعم الذي تقدّمه خزينة الدولة يذهب لغير مستحقية، فهذا يؤشر الى ضرورة ايجاد آليات جديدة لتوزيع هذا الدعم للمساهمة في تعظيم الدعم للمواطنين من الفئة المستهدفة، ولقد لوّحت حكومات عدّة بايجاد هذه الآليات من خلال استخدام البطاقة الذكية وغيرها ولكن هذه الأليات ما زالت تراوح مكانها.
كما أن العمل على تفعيل القروض الميسّرة للمواطنين لإنشاء المشاريع الصغيرة والمتوسّطة سيساهم حتماً في ايجاد فرص العمل المبتكرة والمبادرات، ولنا في صندوق التنمية والتشغيل خير قصّة نجاح، ولهذا فاننا نرى أن تقوم الحكومة بدعمه مالياً لتساهم في تعظيم دوره واتساع قاعدة المستفيدين منه تعميماً للفائدة وتعظيماً للمشاريع التنموية المبتكرة ومبادراتها التي توظّف المواطنين وخصوصاً في مناطق جيوب الفقر في المحافظات.
والكرة في مرمى الحكومة لتبادر بوضع برامج على النار وبسرعة؛ لأن الخطط والسياسات والاستراتيجيات والبرامج الاقتصادية تحتاج الى ما لا يقل عن ثلاث الى خمس سنوات لتؤتي أكلها، والمطلوب الآن وبسرعة تحقيق مستوى معيشي كريم للمواطن من خلال العودة لبرامج الشراكة مع القطاع الخاص لتوظيف الأردنيين قبل غيرهم في سوق العمل وعدم الاعتماد فقط على مؤسسات القطاع العام التي أرهقت موازنة الدولة وغيّرت من الثقافة المجتمعية للأردنيين طالبي العمل، والمطلوب أيضاً حماية المواطنين من اطّراد الأسعار وجشع بعض التجّار، والمطلوب أيضاً بلورة قانون عصري لحماية المستهلك وقانون منصف لضريبة الدخل واخراجهما لحيّز الوجود، والعمل على دعم صندوق تنمية المحافظات على أرض الواقع من خلال مشاريع تنموية واضحة وذات جدوى سواء تشغيلية أو مجتمعية أو اقتصادية، وكذلك توزيع مكتسبات التنمية بكل عدالة للوصول للتّمكين الاقتصادي، والمضي قدماً في محاربة كل قضايا الفساد، وضرورة ايصال الدعم الحكومي لمستحقيه من المواطنين لا للأغنياء ولا لغير الأردنيين لغايات التخفيف عن الموازنة العامة للدولة، فلقد غدت الفواتير الالزامية والضرورية للطاقة والتعليم والانترنت والاتصالات والمياه والكهرباء والسكن والطعام مرهقة لكل أسرة أردنية وهي أكثر بكثير من مدخولات المواطنين، مما يعزّز ضرورة تحرّك الحكومة على الأصعدة كافة لتلبية رؤية جلالة الملك المعظّم الاصلاحية لتحسين مستوى ونوعيّة معيشة المواطن والاسهام بفعالية في ضمان حفظ كرامته، والكرة في مرمى الحكومة التي لا تمتلك ترف الوقت، وأظنّها قادرة على ذلك.
فالحديث في الشأن الاقتصادي له شجون ومفاصل عدّة وله حتماً أهميّة قصوى لدى كلّ مواطن، بعكس الشأن السياسي الذي لا يهمّ إلّا النُخب والأحزاب السياسية والتي لا تتجاوز نسبة المنضوين تحت لوائها عن الواحد بالمائة من الشعب، فالتفاؤل يجب أن يكون عنوان المرحلة الاقتصادية القادمة، ويجب أن ينعكس النمو والتحفيز الإقتصادي على المواطن الذي يعاني الفقر والبطالة، ونتطلع للمضي قدما صوب تحقيق الأهداف بحول الله تعالى.