المواقف من القدس والقضية الفلسطينية فلسطينيا ج 4 ح 4


في هذا الجزء من الحلقة الرابعة سأتناول المرحلة السابعة والأخيرة فلسطينياً والتي تناقش الفترة الممتدة من 2003 حتى الآن..
فقد شهدت الفترة الممتدة من عام 2002 حتى الآن أحداثاً جساماً منها إقامة جدار الفصل العنصري وشوارع التفافية حول التجمعات السكانية والاستيلاء على مزيد من الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية خاصة القدس عاصمة الدولة الفلسطينية لإقامة مغتصبات عليها أو معسكرات لجيش الاحتلال الغاصب للأرض الفلسطينية وهذا بطبيعة الحال يحول دون قيام الدولة الفلسطينية على جزء من الأرض الفلسطينية والتي احتلت بعد حرب 1967 كما تبنى المجتمع الدولي ذلك ووفق الرؤى الأمريكية التي تخلت تماماً عن مساعيها هذه خدمة للمشروع الصهيوني الاحتلالي الاستعماري ، وتصفية رموز قيادية في الشعب الفلسطيني ابتدأ بحصار الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في مقر إقامته برام الله وعدم السماح له بالخروج منها إلا بعد أن تمكنت من حبك مؤامرة تسميمه من قبل من يدينون لها بالولاء ، حيث ارتقى إلى العلا شهيداً واغتيال الشيخ أحمد ياسين - مؤسس حركة حماس وقائدها واغتيال عبدالعزيز الرنتيسي الذي تسلم قيادة حماس خلفاً للشهيد ياسين والقيادي في حماس اسماعيل أبوشنب واغتيال الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أبو علي مصطفى وغيرهم الكثيرون من الرموز الفلسطينية ، واعتقال أحمد سعدات - أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين خلفاً لأبو علي مصطفى في عملية قرصنة لم يشهد لها العصر الحديث والمعاصر مثيلاً بعد أن اقتحموا سجن أريحا بطريقة مهينة للسلطة الفلسطينية وقادوا كافة المعتقلين وحراس السجن من الفلسطينيين بطريقة مزرية ومذلة وأمام مراقبي السجن الامريكان والبريطانيين الذين أخلوا مواقعهم بمجرد بدء عملية الإجرام الصهيونية وعبر فضائيات العالم المختلفة التي نقلت عملية الاقتحام بأدق تفاصيلها بالنقل الحي والمباشر. كما أنه في شهر أيلول سبتمبر 2005 جرى تفكيك آخر المغتصبات في قطاع غزة وترحيل الصهاينة منها بعد تعويضهم بمبالغ طائلة منها وإعلان العدو الصهيوني عن سحب قواته من داخل قطاع غزة الصامد أهله في خطوة أحادية الجانب وإعادة انتشارها على حدوده المتاخمة لما تطلق عليه حكومة العدو الصهيوني غلاف مستوطناتها حوله وفرض الحصار المحكم عليه .
كما شهدت مشاركة حركة حماس في الانتخابات التشريعية التي أجريت في كانون الثاني /يناير 2006 حيث فازت بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي وقد رفضت نتائج تلك الانتخابات التي جرت في أجواء ديمقراطية وفق شهادة الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر - عراب اتفاق كامب ديفيد بين مصر والكيان الصهيوني ، رٌفضت صهيونياً وأمريكياً ، وعوقب الشعب الفلسطيني لاختياره هذا وتم وقف الدعم أمريكياً عن السلطة للانصياع للإرادة صهيو - أمريكية ، مما أدى لخلق خلافات داخل الجسم الفلسطيني حالت دون تمكن الحكومة التي جرى تشكيلها برئاسة حماس وفق الأصول الديمقراطية التي تجري في أوروبا وأمريكا بتشكيل الحكومة من قبل الحزب الذي يحصل على أغلبية مقاعد المجلس التشريعي ، حيث أدى ذلك لخلافات وصراعات داخلية فلسطينية التي أسهم فيها الضابط الأمريكي دايتون الذي عين من قبل الإدارة الأمريكية في القدس كمنسق أمني بين الفلسطينيين والصهاينة بل وقيادة الفلسطينيين - خاصة الأجهزة الأمنية- فيها بالطريقة التي تدفعهم إلى تنفيذ البرامج التي تضمن أمن الكيان الصهيوني، وتؤدي بالتالي إلى استقرار الوضع في الضفة الغربية وغزة .. دايتون هذا أسهم بنشوب معركة دموية طاحنة في غزة حسمت فيها الأمور لصالح حركة حماس فأصبح لكل جناح من جناحي الوطن الفلسطيني قيادة خاصة به تدير شؤونه ، وقد استمر هذا الانقسام إلى أن جرى التوافق على إنهائه برعاية مصرية مؤخراً والذي تكلل بالنجاح وتوقيع اتفاق المصالحة بين الحركتين يوم الخميس 12/10/2017 وأدعو الله العلي القدير أن تستمر اللحمة والتآلف بين مختلف مكونات الشعب الفلسطيني دون تجدد عوارض تكون سبباً في ضعف الموقف الفلسطيني .
وقد تعرض القطاع منذ إعادة الانتشار لحصار صارم جرت محاولات دولية وإقليمية لفكفكته دون جدوى وتعامى العالم أجمع عن هذا الحصار الذي يضع 2 مليون فلسطيني تحت رحمة العدو الصهيوني وجور الحصار، كما تعرض القطاع فوق الحصار المفروض عليه لثلاثة اعتداءات تدميرية ، العدوان الأول في عام 2008/ 2009 الذي أطلق عليه العدو الصهيوني عملية الزيت المصبوب فيما أطلقت عليه حماس معركة الفرقان والعدوان الثاني في عام 2012 التي أطلق عليها العدو الصهيوني عامود السحاب والثالث في عام 2014 الذي أطلق عليه العدو الصهيوني عملية الجرف الصامد فيما أطلق عليه الجناح العسكري لحماس العصف المأكول أدى هذا الاعتداء لتدمير المئات بل الآلاف من المنازل والبنى التحتية واستشهاد وجرح الآلاف من سكان القطاع الصامد.
وقد تمحورت المطالب الفلسطينية في مفاوضات وقف إطلاق النار بالاعتداءات الثلاثة على فك الحصار وفتح المعابر، مع إضافة مطالب إنشاء الميناء والمطار والإفراج عن الأسرى في المفاوضات الخاصة باعتداء 2014 ، في مقابل طلب العدو الصهيوني نزع سلاح المقاومة، وضمان عدم إطلاق الصواريخ من قطاع غزة باتجاه المغتصبات والتجمعات الصهيونية في المناطق القريبة من القطاع حيث انتهت المفاوضات في الحروب الثلاثة بإقرار وقف إطلاق النار وفتح المعابر، دون أن يحصل الكيان الغاصب على وعود بتحقيق أهدافه من نزع سلاح المقاومة ووقف إطلاق الصواريخ ودون أن يتحقق فك الحصار المفروض على القطاع.كما حصلت مواجهات مع العدو الصهيوني الذي تمادى في اعتداءاته وحشد زعرانه من المغتصبين الصهاينة في محاولات مستميتة لاقتحام باحات وحرم المسجد الأقصى تمهيداً لتقسيمه زمانياً ومكانياً بين الفلسطينيين واليهود وكان لصمود أهل القدس والدعم المتواصل لهم من سكان الضفة الغربية وفلسطين المحتلة منذ العام 1948 ومواقف الأردن الرافضة لكل فعل صهيوني يحاول النيل من الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس الشريف الدور الكبير في عدم تمكن العدو الصهيوني حتى اللحظة من تحقيق أهدافه التي يطمح إلى تنفيذها تمهيداً للسيطرة الكاملة على المسجد الأقصى المبارك في سبيل إقامة هيكلهم المزعوم على أنقاضه. كما أن مناطق عديدة شهدت اعتصامات سلمية أسبوعية أمام جدار الفصل العنصري الذي أقيم بأمر من شارون وفريقه الوزاري والذي تركز في منطقة نعلين يشارك بها ناشطون فلسطينيون ودوليون وتغطيها قنوات فضائية عالمية وصحفيون احتجاجاً على إقامته حيث كانت تقمع تلك الاعتصامات بالقوة" بالرصاص الحي والمطاطي وبالضرب المبرح من قبل جنود الاحتلال " وكان الصحفيون ومراسلو وكالات الأنباء والقنوات الفضائية الأكثر تعرضاً للمضايقات الشديدة وفي كثير من الأحيان للضرب المبرح وتحطيم كاميراتهم كونهم يمثلون عين الحقيقة في المناطق الساخنة والتي تظهر جيش الاحتلال الصهيوني على حقيقته النازية .
كما كانت تحصل كذلك احتجاجات سلمية رفضاً للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية لإقامة مغتصبات عليها كانت تقمع من قبل جيش الاحتلال الصهيوني بالقوة المفرطة وبالحديد والنار حيث أصيب واستشهد الكثيرون منهم رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان زياد أبو عين خلال مشاركته بنشاط سلمي في اليوم العالمي لحقوق الانسان، مع ناشطين فلسطينيين ودوليين كانت تندد بمصادرة الأراضي والاغتصاب للأرض الفلسطينية حيث بادروا لزراعة أشجار الزيتون في قريته ترمسعيا. وأمام تمادي عصابات المغتصبين الصهاينة على القرى الفلسطينية والعبث بمزارعهم وقلع أشجارهم وسلب منتجاتهم من أراضيهم ووصول الحد بهم في عام 2014 لاختطاف الطفل محمد أبو خضير وحرقه حياً على أيدي متطرفين مغتصبين للأرض الفلسطينية يوم 2 تموز/يوليو 2014حيث عثر على جثته في أحراش دير ياسين حصلت إثرها مواجهات عنيفة مع قوات الاحتلال في شعفاط وتوتر في القدس ومواجهات في مختلف مدن الضفة الغربية رشق فيها المحتجون قوات العدو الصهيوني بالحجارة سقط خلالها عدد من الشهداء والٌإصابات بين صفوف المحتجين وقد أثار حرق الطفل الرأي العام العالمي وحصل هناك انتقادات وإدانة لهذا الفعل الجبان. ولم ينقض عام ونصف على تلك الحادثة الإجرامية حتى قام مغتصبون صهاينة على إشعال النار في منزل عائلة سعد الدوابشة الفلسطينية في قرية دوما بمحافظة نابلس في الضفة الغربية توفي إثر ذلك الطفل الرضيع علي وعمره سنة ونصف وأصيب والداه وأخوه أحمد ذو الاربع سنوات بجروح خطيرة وتوفي لاحقاً والده ومن ثم والدته في المستشفى متأثرين بالحروق التي أودت بحياتهما وهو ما أدى إلى ارتفاع نهج المقاومة الموجهة ضد الصهاينة إلى جانب أحداث أخرى أسهمت في تأجيج الشارع الفلسطيني ضد قوات الاحتلال الصهيوني للأرض الفلسطينية في العام الذي سبقه دفعت الشارع الفلسطيني لمقاومة الاحتلال الصهيوني قابلها الجانب الصهيوني بأعمال عنف مضادة، من بين هذه الأحداث كان إضراب الأسرى الفلسطينيين في السجون الصهيونية والذي استمر شهرين، وكذلك ارتقاء محمد أبو خضير إلى العلا حرقاً وكذلك الحرب التدميرية التي شنها العدو على قطاع غزة أوقعت تلك الحرب ما يزيد عن الـ 2100 شهيد فلسطيني ناهيك عن تدمير البنى التحتية ومنازل لا حصر لها ومدارس ومستشفيات. إلى جانب قيام العدو الصهيوني بعدد من الخطوات تجاه المسجد الأقصى في شهر سبتمبر 2015حيث أنه في 9 سبتمبر 2015، صدر عن وزير الدفاع الصهيوني قرار بحظر مصاطب العلم والرباط في الأقصى، وفي 14 سبتمبر اقتحم وزير الزراعة الصهيوني أوري آرئيل المسجد الأقصى بصحبة أربعين صهيونياً، واقتحمت وحدات خاصة وعناصر المغتصبين الصهاينة باحات المسجد، وفي 17 سبتمبر، قام عشرات من شبيبة حزب الليكود (الحزب الحاكم) باقتحام المسجد الأقصى.
هذا كله زاد من احتقان الشارع الفلسطيني وأدى لانعدام الثقة بين طرفي الصراع مع اشتراط حكومة نتنياهو اعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة الصهيونية يضاف إلى ذلك كله توقف المفاوضات ما بين السلطة الفلسطينية وحكومة الاحتلال الصهيوني منذ مطلع العام 2014 وتوجه قيادة السلطة للإنضمام لمحكمة الجنايات الدولية وانتزاع اعتراف الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية في ظل رفض صهيوني واعتبار ذلك خطوة من جانب واحد وازدياد حمى إنشاء المزيد من المغتصبات الصهيونية في أراضي السلطة وتسمين المغتصبات القائمة بمزيد من الوحدات السكنية دون الاستجابة لطلبات السلطة لتجميد الاغتصاب للأرض الفلسطينية والإفراج عن الأسرى من السجون الصهيونية، وتحديد سقف زمني محدد لإنهاء المفاوضات،وهذا ولد يأساً واحتقاناً لدى الفلسطينيين من الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي لعب دوراً جوهرياً في ذلك فحسب استطلاع للرأي فإن 57% من الفلسطينيين كانوا مع اندلاع انتفاضة مسلحة و 80% مقتنعون بأن القضية الفلسطينية ليست على لائحة اهتمامات العرب أمام كل ذلك ولردع الصهاينة عن ممارساتهم واعتداءاتهم انطلقت الانتفاضة الفلسطينية الثالثة انتفاضة السكاكين دفاعاً عن الأقصى المبارك وكرامتهم المهدورة حيث جابهوا العدو الصهيوني بجيشه وزعرانه من المغتصبين للأرض الفلسطينية بالسكاكين على مدى سنة كاملة بقيت جذوتها مشتعلة رغم شدة العنف في القمع الصهيوني حيث صدرت تعليمات من القيادتين السياسية والعسكرية بالتصفية الميدانية للمقاومين بالسكاكين.بطبيعة الحال عمليات الطعن أرعبت الصهاينة ومهدت الطريق لخارطة طريق جديدة غير أوسلو لأن العدو ضرب ويضرب كل الاتفاقات ولا يعترف إلا بما يمكنه تحقيقه على الأرض من وقائع على أرض الواقع . ثم جاءت مسألة البوابات الإلكترونية " المزروع بها كاميرات للمراقبة " التي ركبتها حكومة الاحتلال الصهيوني اليمينية المتطرفة لمراقبة كل داخل وخارج من وإلى المسجد حيث شهدت القدس والضفة الغربية على مدار اسبوعين تقريباً احتجاجات ومواجهات واسعة النطاق مع قوات الاحتلال الصهيوني محتجين على نصب تلك البوابات الإلكترونية على مداخل المسجد الأقصى ليمر منها المصلون .. في خطوة ترمي دولة الاحتلال من خلالها فرض سيادتها على المسجد أسوة بما صنعت بخصوص المسجد الإبراهيمي في الخليل الذي حولته من مسجد كان يقيم اليهود صلواتهم فيه إلى كنيس يقيم المسلمون صلواتهم فيه حيث استشهد في المواجهات العديد من الفلسطينيين وجرح نحو 1090 منذ اندلعت المواجهات في الضفة الغربية والقدس في 14 تموز / يوليو.
ويمكنني في الختام القول أن معركة القدس أثبتت أن الشعب الموحد ومن خلفه قيادة موحدة يلتف الفلسطينيين حولها تستطيع ان تحقق الانتصار بفعل النضال الموحد القائم على استراتيجية وطنية كفاحية، والنضال المشترك سيحقق الفلسطينيون من خلاله انتصارات كبيرة، ويستطيعوا من خلال معركة القدس تحقيق إنجازات تراكمية كما فعل أهل القدس، وهذا له أهمية كبيرة في إعادة الثقة وبث روح التفاؤل والأمل وإعادة الإعتبار للذات من خلال العمل النضالي اليومي المشترك لكن معركة القدس والأقصى ستبقى مستمرة وستبقى المحاولات الصهيونية قائمة لإيجاد منفذ تتمكن من خلاله اختراق حاجز الرفض الفلسطيني والأردني والعربي والإسلامي لأي مساس في المسجد المبارك.
ولي كلمة أن ما يربو عن 50% من المواجهات منذ فرض الوصاية البريطانية على فلسطين كانت شرارتها الاعتدءات الصهيونية على الأقصى حيث حتى اللحظة لم يتمكن العدو الصهيوني من فرض وصايته عليه وسيبقى الطود الشامخ مرابطوه يحرقون الأخضر واليابس لكل من يحاول المساس بقدسيته الإسلامية.
Abuzaher_2006@yahoo.com