العالم يراقبنا ... بل ويسخر منا !!
... دعيت قبل ايام الى عرض نتائج ورشة عمل تتعلق بنتائج دراسة الاحتياجات البيئية والاجتماعية والاقتصادية في أحدى مناطق شرق عمان الاقل رعاية من مناطق المدينة نظمتها احدى المنظمات الدولية للتنمية في الشرق الاوسط ، وقد حضرها عدد من المهتمين واهالي المنطقة ، وصادف هنا حضور دبلوماسيين غربيين من بعض سفارات الدول الغربية المشاركة والداعمة للمشروع ، الأمر ليس هنا ، بل جلسنا وفي استراحة معدة من قبل مع عدد من اولئك الدبلوماسيين وتطرقنا الى الحديث عن تلك الاحتياجات ودور الدولة الاجتماعي الغائب كليا لمواجهة تلك الاعباء والتخفيف منها ، ومن ثم تناول الحديث موضوع الاصلاح السياسي في الاردن وسبل تحقيقه وكذلك موضوع الفساد وانفلات الأمن الذي تطرق اليه احد الدبلوماسيين والمتعلق بالتضييق والاعتداء على مقر الوكالة الفرنسية للانباء وكذلك الاعتصام الذي اقيم امام السفارة قبل اسبوع والتهديدات التي تلاحق بعض الاعلاميين والتي اثيرت قبل يومين !
لم اكن اتصور ان احداث البلاد معروفة للعالم بتلك التفاصيل الدقيقة ، فالسفارات والممثليات الدبلوماسية كما قال احد الدبلوماسيين المشاركين في الورشة مهتمون جدا بما يجري في البلاد خشية تطور الاحداث وتفاعلها وبالتالي قد يعرض المصالح والرعايا الى الخطر ، وهذا يجعلهم يراقبون تطور الاحداث وتفاعلاتها خطوة بخطوة ، اذ يتصرف البعض كما يقول احد الدبلوماسيين سواء اكانوا من نواب اورجال ساسة وكأنهم يعيشون وحدهم في هذا العالم مما يتيح لهم استباحة الانسان والمؤسسات والسطو عليها دون رادع قانوني او اخلاقي ! وقد بدأ التركيز في الحديث على موضوع استباحة المؤسسات والأفراد ، فالتهديد بالقتل او مهاجمة البعثات الاعلامية والدبلوماسية هو استباحة رسمية وليست عفوية ، فالعفوية تنطلق في حالة ان تعيش البلاد فوضى عارمة كتلك التي عايشها الرجل في رواندا ،حيث عمت الفوضى وانتشر القتل ونهبت البلاد واستمرت الحرب الاهلية بين التوتسي والهوتو شهور طويله ، اما في حالة مثل الاردن ، فلا يمكن لها ان تكون عفوية لأن النظام موجود والمؤسسات عاملة والاستقرار جيد بمعنى والكلام للرجل انها منظمة ومخطط له بعناية لاسباب تتعلق بصراع مراكز القوى في البلاد في ضل صمت او عدم معرفة من قبل النظام نفسه وتلك مشكلة لا يمكن قبولها او الصمت عنها او حتى استمرارها !!
رحت احاول الدفاع عن مؤسسات الوطن والاستقرار والأمن ، وكنت اشدد على ان هناك تصرفات فردية وان كانت تحرج النظام السياسي الاردني وتضعفه الا انه يمكن السيطرة عليها بسهولة ، فضحك احد الدبلوماسيين وقال ان المسألة اكبر من تصرف فردي ! وان ما يجري مخطط ومدروس وهذا يضعف من هيبة البلاد وسمعتها ، فاستباحة البشر والمؤسسات باتت ظاهرة يومية ينفذها افراد ذو مناصب ومواقع رسمية ، و يبدو ان لا احد يستطيع حكمها وضبطها ! ثم أعدت النقاش حول قدرة الدولة الاردنية على استعادة السيطرة على تلك التجاوزات هنا وهناك ومن ضمنها عمليات الاصلاح التي تمت حتى اللحظة وكذلك ما يتعلق بمكافحة الفساد ونهب خيرات الوطن ومنح السلطات دورا رقابيا وتشريعيا وخاصة ما جرى في مناقشة قضية الكازينو والانتهاء منها بكل روح ديمقراطية حقه ، فالتفت الي الرجل الدبلوماسي وقال : وهل انتهت فعلا ! الاحداث تثبت عكس ما تقول ولا زالت تفاعلاتها جارية !
قد لا تسعفني الحرية اوالمساحة المتاحة هنا ان اقول كل ما قيل في الجلسة بحق هذا الوطن ورجالاته وسياساته التي بات ينظر اليها باستغراب وتشكيك من قدرة البلاد على الاستمرار !!
كانت بلادنا رمزا للسلام والأمن والاستقرار ، وكانت منارة الجميع والانموذج الحضاري في ادارة الازمات وتطويقها والخروج بنتائج يحسدنا عليها الصديق قبل العدو ، عايشنا ازمات اكبر من الكازينو وتهريب خالد شاهين وبيع مؤسسات الدولة ونهبها ، وعايشنا ازمات مع اعلاميين وصحافة ولم نهدد او نتوعد او نخرب ممتلكاتها ، لكننا عجزنا دولة ومؤسسات عن ادارة ازمة اعلامية مع وكالة انباء غربية ، فاتخذنا قرار الاستباحة والاعتداء وتأزيم الموقف دون اعتبار لهيبة الحاكم و لسمعة البلاد ويكفينا تقرير تلك الوكالات وتقرير خارجيتها غير المسبوق بحق بلادنا .
يعمل البعض متحصنا بمؤسسة او سلطة دون رقابة او ضبط ، انفلات ما بعده انفلات ، والمواطن بات بسعر طلقة لا تساوي 30 قرشا على حد تعبير احد الناس ! الاردن اليوم ليس اردن الأمس ، ورجال اليوم ليسوا رجال الأمس ، والثقة بالبلاد لم تعد تلك الثقة التي كان يولينا اياها العالم ، والمستثمر بات اكثر حرصا على الهروب طالما ان بعض ماله سيذهب سمسرة وتسهيلات ، وطالما ان سعره لا يساوي 30 قرشا ! والمانحون والداعمون لاقتصادنا باتوا اكثر تشكيكا بوصول الدعم لمستحقيه واقل رغبة بدعم البلاد بسبب الفساد الذي يحكم القبضة على البلاد وينهب الخيرات ، العالم يا سادتي يراقبنا ويسخر منا كذلك !!