أي فساد هذا ؟

تشهد المملكة الأردنية الهاشمية منذ فترة ليست بقصيرة حالة إجتماعية ثقافية صعبة,وذلك من خلال سلوكيات فردية أو قد تكون جماعية متمرسة تعكس مدى الحالة الخطيرة التي يواجهها المجتمع الأردني في التعامل مع الأفراد أو المجموعات.هذه الحالة ليست بغريبة عن أغلب المجتمعات العربية,لكن كون المملكة الأردنية الهاشمية هو بلدنا ومحطتنا الأولى ويهمنا دائما جعلني أطرح هذه الحالة علّنا جميعا إما نعالج او نتدارك خطورتها.

في البداية أود ان أقدم إحصائيات بحسب إدارة المعلومات الجنائية عام 2010 مقارنة بعام 2009:

·         إرتفاع نسبة جرائم القتل في الأردن بنسبة 19.78%, إرتفاع نسبة إرتكاب الجرائم العامة بنسبة 9.3%, إرتفاع نسبة جرائم الإغتصاب بنسبة 28.81%, إرتفاع نسبة جريمة الإتفاق الجنائي 800% والإيذاء البليغ بإرتفاع 14.30% والإجهاض بإرتفاع 18.89% وتزييف النقد بإرتفاع 6.8% والشروع في القتل بإرتفاع 15%. (ملاحظة: أكثر من نصف الجناة بلا عمل).

أما المؤشرات العامة للسكان في الأردن تشير إلى تراجع معدل الزيادة الطبيعية في معدل السكان بسبب إرتفاع مشكلة العنوسة التي تضاعفت 15 مرة منذ عام 1979-2009 والسبب الاخر هو تراجع معدلات الإنجاب لدى المتزوجين.

في الحقيقة من خلال مطالعتي المتواصلة للصحف المحلية والتوقف بالتأكيد ودائما خلف أخبار الحوادث لأسباب إنسانية توعوية و ما إلى ذلك لاحظت التزايد اللافت لحوادث أليمة من قتل وسرقة وترهيب وبلطجة.

إخوة يقتلون أختهم بسبب حملها موبايل..وشخص يقتل ابن عمه لتجاوزه سيارته في "الفارده" وأب يتصرف بوحشية من خلال إلقاء بنته في الحاويات تارة وإرسالها ليلا إلى القبور وترهيبها تارة أخرى إلى أن فقدت عقلها وذلك نكاية في زوجته. وعمليات سرقة السيارات وإغتصاب أصحابها من الجنس الناعم أو الرجال الناعم. عن طريق إلقاء البيض على زجاج السيارات. وهناك الكثير الكثير في صفحات الحوادث المليئة بالرعب.

هذا لايدل إلا عن حالة إجتماعية ثقافية متدنية بلا شك قد يكون اكثر أسبابها الفقر الذي يستفشي في المجتمع الأردني وأكثر أسباب الفقر هو في الغنى الفاحش الذي تم إكتسابه عمالقة الرؤوس الكبيرة والذين ينظرون إلى أموال الدولة على أساس أنها غنائم اكتسبوها من خلال معركتهم في غاباتهم الرشوية التي يدفع ثمنها عادة أغلب الشعب الفقير.

لاشك أن الفساد الإجتماعي هو كما عرفه الأستاذ "عماد الشيخ داوود" في كتابه "دراسات الإدارة المعاصرة" من انه أسلوب إنحراف وحياد البشر عن الطريق القويم للفطرة الإنسانية والتجرد من المثل الأخلاقية المنطلقة من أساس حُسن الخُلق وهي الرؤية الإسلامية على كل الأحوال,وكثيرا مايتحول مفهوم الفساد الإجتماعي إلى السلوكيات المتعلقة بالجنس والمخدرات والتي ينفرد عادة فيها كبار المسؤولين..لكننا هنا نتحدث عن سلوكيات وفساد يذهب ضحيتها أفراد في مجتمع داخلي فقير تدمع عيوننا عليه ويتحسر عليها أصحاب الشأن.

الأمن العام الأردني معلقا على عمليات سرقة السيارات-وهو بالمناسبة مشكور لجهوده في إعادة أغلبها- قال ان 70% من عمليات السرقة ناتجة عن إهمال صاحبها..وأنا لا أستطيع تفسير هذا التعليق إلا على أنه محاولة لإتهام الضحية بدلا من إتهام الفساد في المجتمع الذي خلق تلك السلوكيات الخاطئة في السارق. ولتوضيح الأمور أكثر أي أن صاحب السيارة عندما يريد أن يقف أمام دكان لمدة دقيقتين ويعود ليجد سيارته مسروقة فهذا إهمال من صاحب السيارة. والمطلوب من صاحب السيارة أن يغلق الماكينة والمكيف أو النوافذ والسيارة بأكملها ويضع أصفاد المقود ليتناول عادة علبة السجائر أو كرت الشحن ثم يعود..واللي "مفلل" سيارته بنزين عليه قبل أن يخلد إلى النوم شفط الوقود في "تنكة" ثم يعاود صباحا لملأ خزان الوقود عن طريق "الشفط". هذا غير معقول ولا مقبول ولا مبرر. فإن كانت بلادنا تتجه نحو الإصلاح والتحضر فعلا,فعلى حكوماتنا أن تتبنى مشاريع في العدالة الإقتصادية والتوعية الأمنية ومحاربة كل أنواع الفساد والواسطات والقبائلية وعلى المواطنيين أن يتجهوا نحو مشاريع التوعية من خلال محاضرات ثقافية ودينية مما يعني السماح للقلم والدين بالنطق. فنحن لا نستطيع ان نتهم الحرية بهذا الفساد لأننا ببساطة لسنا مجتمع حر, ولا نستطيع أن نتهم الحضارة لأن أغلب الشعوب العربية تجهل تعريفها ومصدرها ويهيأ لها أن الغرب هو فقط منبع الحضارة, ولا نستطيع إتهام الدين لأنه خلف القضبان بتهمة الإرهاب..حينها قد نتهم الفساد الإقتصادي الذي هو من رحم الفساد السياسي.