أميركا وتركيا: الأصدقاء الأعداء !

عندما كان هناك الإتحاد السوفياتي وكانت الحرب الباردة في ذروتها بين الغرب والشرق لم يكن مُتصوراً وعلى الإطلاق أنْ تصل العلاقات بين الولايات المتحدة وبين تركيا إلى هذا المستوى من الإنهيار والتدهور، الذي من الممكن وصفه بأنه اقترب من ذرْوته، وهذا إنْ لم يلامسها بل ويتجاوزها بمنعْ أنقرة «تأشيرات» للمواطنين الأميركيين رداًّ على قرار مماثل اتخذته واشنطن ضد المواطنين الأتراك، الذين كانوا يعتبرون مواطني دولة حليفة وصديقة، يعاملون معاملة تقترب من معاملة البريطانيين وباقي دول حلف شمالي الأطلسي. كان هذا الإنهيار قد بدأ في عهد الإدارة الأميركية السابقة وعلى رأسها الرئيس باراك أوباما، وأيضا في بدايات حكم حزب العدالة والتنمية الذي يعتبره البعض فرعاً لجماعة الإخوان المسلمين وتنظيمها الدولي، وبخاصة بعدما أصبح رجب طيب أردوغان زعيمه، مطلق الصلاحيات، وبعدما اكتشف، كما قال وأدّعى، أنَّ زعيمه وملهمه السابق فتح االله غولن المقيم في أميركا يتآمر عليه ويرتّب انقلاباً عليه وبدعم من استخبارات الولايات المتحدة كما يقول ولا يزال يردّد هذا الإدعاء، لأن واشنطن ترفض تسليمه هذا الخصم الذي لا يزال يُشكّل خطرا فعلياًّ عليه، رغم تواصل حملات تصفية أتباعه إنْ في الأجهزة المدنية وإنْ في القوات المسلحة التركية. فهل إنَّ هذه هي حقائق الأمور حتى تصل العلاقات بين هاتين الدولتين الحليفتين تاريخياًّ؛ أي منذ إنهيار الإمبراطورية العثمانية ووصول مصطفى كمال إلى الحكم أم أنه لا تزال هناك حقائق مخفية؟ والغريب هنا أنَّ هذا الجفاء الذي تجاوز كل الحدود قد وصل إلى مستوى ما يمكن اعتباره بدايات قطيعة نهائية قد تستمر مع هذه الإدارة الأميركية الجديدة التي على رأسها دونالد ترمب، ولم يقتصر على الإدارة السابقة التي كانت توصف بأنها لم تعد لأميركا في عهدها رهانات على هذه المنطقة والشرق الأوسط كله.. لا إقتصادية ولا سياسية وبالطبع ولا عسكرية. والحقيقة، وبغضّ النظر عن مستجدات تركيّا في عهد حزب العدالة والتنمية ورجب طيب أردوغان فإنَّ أميركا، في عهد الإدارة السابقة وهذا تواصل مع هذه الإدارة اللاحقة، هي التي بدأت تتخلّى عن هذه الدولة الحليفة التي كانت تشكل القوة العسكرية الأولى في حلف شمالي الأطلسي بعد الولايات المتحدة، وأنها تركت هذه الدولة الحليفة لتضطر إلى تسليم نفسها لروسيا الإتحادية وفلاديمير بوتين تحت الضغط الذي مورس عليها من خلال دفع وتيرة عمليات حزب العمال الكردستاني – التركي الـ k.k.p الذي كان أُستخدم بداية ضد هذه الدولة العضو الفاعل عسكرياًّ وسياسيا في حلف شمالي الأطلسي في زمن الإتحاد السوفياتي. وهكذا فقد أصبحت تركيا رقما رئيسياًّ في معادلة التحالف الروسي –الإيراني، ولعلّ ما زاد الطين بلّه كما يقال إن ذلك «الإستفتاء» الذي أجراه الرئيس مسعود بارزاني قد جعل الأتراك والإيرانيين يؤجلون خلافاتهم السابقة، لمواجهة هذا التحدي الجديد، وهذه مسألة سارع الروس لإلتقاطها بينما ينشغل الرئيس دونالد ترمب بمواصلة ألاعيبه و»ترهاته» المضحكة المبكية، التي لا تليق فعلاً بدولة تعتبر نفسها الأهم والأقوى وتتربّعْ على عرش هذا الكون كله.