علي السنيد يكتب : فيصل الفايز.. تجسيد للشخصية العامة في طابعها الإنساني

ندرة هم الرجال الكبار الذين يبلغون مقام الوفاء كفيصل الفايز ، والذي لا تخضع مجمل مواقفه ، وأرائه حسب درجة الموقع الذي يشغله ، فالرجل الذي صدر عن أصل يعبق بالطيب والعراقة تنتظم حياته منظومة قيمية تتجاوز حسابات السياسة الضيقة ، وتبدل المواقع الرسمية من جهة ، ومن جهة أخرى يتجسد في الواقع الاجتماعي الأردني كأبرز صور الصفاء والتواضع، والانفتاح على الناس. وقد مد جسور الأخوة والقرب من الجميع ، ونفر من الالتزام بالصيغة الطبقية التي قد تأخذ البعض الرسمي بعيداً عن قلب الشارع ، أو تجعله في عزلة تحيط أركان حياته المصطنعة، وأصبح قاسما مشتركا بين درجات الطيف السياسي.

وفيصل الفايز يقدم نموذجا أخلاقيا لرجل السلطة الذي لا تتبدل مواقفه تبعا لتغير مواقعه سواء كان في الديوان الملكي، أو الحكومة، أو في الهيئة الشعبية مجلس النواب، أو خارج السلطة ، ولا يلعب على الحبال السياسية ، ولا يتبع كل مرحلة بخطاب مختلف حتى لتتناقض سلسلة حياته العامة في حاصل جمعها ، وإنما ترسخ مثل هذه القيادات التي هي على شاكلة الفايز في الناس أخلاقيات ثبات المواقف ، وعدم التنصل من مسؤولية السياسات التي كانوا من بعض صناعها ، ويكونون اقرب إلى الاحترام بإبعادهم البلد عن الدوران في طائلة الإشاعات التي تصدر من قلب الطبقة السياسية.

والرجل يأتي على ذات السياق الذي يضفي الطبيعة المحببة على الأردني من حيث سلامة الصدر ، والأريحية ، والتلقائية ، والصراحة ، والبعد عن التكلف ، وعدم استهداف مصالح تتبدى من خلف مواقفه ، وتكاد أن تكون معادلته السياسية من أكثر المعادلات بساطة ، وقربا من الواقع ، وهو بهذا المعنى يمكن اعتباره التعبير الأصدق على شهامة الأردنيين الذين يجدون طعم الحياة في مواقف العز والشرف ، ولا يغالون بما في أيديهم ، وإنما يصرفون أعمارهم في الدنيا داعيهم في ذلك منظومة قيمية تلقائية قلما تتوفر في حياة امة من الأمم.

وفيصل الفايز في ضوء تجربته الهادئة في الحياة العامة لا يثبت ولاءه ، وعميق محبته لوطنه على حساب تخوين الآخرين على غرار البعض الذي يصور البلد وكأنه في دائرة الاستهداف من قبل أبنائه ، وهو حارسه الأمين عندما يكون قابعا على الكرسي، وسرعان ما تتبدل مواقفه مع خطواته الأولى حال المغادرة لمقاعد المسؤولية ، وإنما يشرع بتعميم المحبة كساحة تجمع الكل ، ولا تفرقهم ، ويعمل على تقليص الفروقات بين فرقاء المشهد السياسي ، ويحاول تقريب وجهات النظر ، ويعمد إلى كسب الجميع إلى جانب السياسات الرسمية ، ويجعل الوطن وحدة حاضنة لمختلف درجات الطيف السياسي ، وضامناً لنقاء سريرة أبنائه.

ولا يبالغ الرجل في إظهار حبه للمملكة بزيادة نسبة خصومها ، وإنما يبرز واقعيا من أنصار المدرسة السياسية التي تعتبر النجاح متحققاً بتقليص حيز الأعداء ، وزيادة الأصدقاء ، وتجنب الدخول في الصراعات السياسية ما أمكن ، وهذه النوعية من السياسيين أكثر أمانا للوطن ، فهي لا تبني شرعيتها على حساب هدم شرعية جزء آخر من الوطن ، ولا تبيض صفحتها بتسويد الصفحات ، ولا تعاني من عقدة نقص الجاه ، والسلطة؛ ما يضعها في صدام مع الحريات والحقوق العامة.

وتضفي على دولة فيصل الفايز مكانته الاجتماعية سمات قد لا تتوفر في التجارب غير المكتملة ، فسعة الصدر نابعة من ترفعه عن دائرة الصغائر، والخصومات التقليدية ، وتورعه عن التشدد ، وميله للاعتدال ، والواقعية وهي محصلة هذا البيت العريق في إدارة شؤون الناس في إطارهم القبلي.

ولعل انحياز السياسيين ، والأدباء ، والصحافيين على مختلف ميولهم إلى دولة فيصل الفايز في كل المواقع التي شغلها يعود في الأساس إلى احترامه للتنوع ، ومحاولاته الدؤوبة لصهره في بوتقة المصلحة الوطنية الجامعة .

وفيصل الفايز الذي يدير دفة التناقضات في مجلس النواب بمهارة منذ عدة أشهر إنما يعكس الطبيعة الشخصية المتزنة لرجل مارس السلطة على تنوعها بوعي، وسعة أفق، وتمكن من أن يجتاز الأزمات، وان يكسب المجلس أكثر من فرصة لاستعادة دوره – بعد حالة اندفاع في الثقة اجتاحت النواب – وذلك في إطار مرحلة أحدثت تغييرات كبيرة في التوازنات التي تحكم الحياة الاجتماعية والعامة، وقد فاجأت السياسيين بسرعة التبدلات، والتغييرات التي تجتاح الرأي العام على إيقاع الوضع الإقليمي المضطرب.

وربما أن تجربة فيصل الفايز السياسية تدلل على أن السمات الشخصية للشخصية العامة وقربها الواقعي من الطبيعة الخاصة بالمجتمع الأردني تسهل عملية التعاطي مع قضايا الناس بعيدا عن التوتير، والتطرف وصناعة الأزمات، وهي السمات التي من الممكن البحث عنها في الشخصيات التي يتم ايلاؤها إدارة شؤون البلاد والعباد ، وربما أن ذلك مدعاة لامتصاص حدة الاحتقانات التي تكتنف الحياة العامة، وقد تبنى جسور الثقة والتلاقي مع الناس بدلا من تركهم وقودا لحالة من الاحتجاجات، والاضطرابات والتعبيرات الشعبية التي أصبحت تميز حياتنا العامة نظرا لنقص الجانب الإنساني، والسلوكي عند جملة من السياسيين العاملين للأسف.