ما بعد التعديل الوزاري

 

 


في ضوء التعديل الوزاري، وسواء طال عمر الحكومة الحالية أم قصر، فإن هناك ثلاثة استحقاقات ساخنة سوف يتوقف عليها مستقبل هذه الحكومة ومستقبل أية حكومة قادمة. أما الاستحقاق الأول فيتمثل في الكيفية التي ستدير الحكومة وفقها الملف الاقتصادي خلال الشهور الثلاثة القادمة بما فيها الشهر الجاري، فلم يعد سراً أن هناك تراجعاً ملحوظاً في استقطاب الاستثمار العربي والأجنبي كما أن هناك تراجعاً ملحوظاً في السياحة العربية والأجنبية.

صحيح أن تداعيات الأزمة المالية العالمية قد أناخت بظلها على الأردن وعلى كثير من دول المنطقة، وفاقم من آثار هذه الأزمة تداعيات الثورات العربية، إلا أن ما تمتع به الأردن من أمن واستقرار ملموس في ظل هذه التداعيات كلها، دفع معظم المراقبين إلى الاعتقاد بإنه سوف يكون محط أنظار المستثمرين والسياح العرب والأجانب في آن واحد، وهو ما تحقق جزئياً فقط لأسباب يعزوها معظم المراقبين إلى تعاظم اللغط الداخلي حول الفساد المالي والاداري إلى درجة افزاع المراقبين والحيلولة دون تدفق الاعداد المتوقعة من السياح الذين فضل معظمهم التوجه إلى تركيا بعد أن كانت معظم التوقعات ترجع توجههم إلى الأردن في ضوء انهيار الموسم السياحي في مصر وسوريا لأسباب أمنية.

ومما يؤسف له أن هناك انطباعاً قوياً بأن المؤسسة الثقافية والسياحية والاعلامية الرسمية لم تبذل ما يكفي من الجهد لالتقاط فرصة توجيه السياحة العربية والأجنبية باتجاه الأردن في هذا العام وفي الأعوام القادمة أيضاً. وعلى أي حال فإن النصف الأول من شهر رمضان الذي أصبح قاب قوسين منا سوف يمثل الاختبار الاقتصادي الأصعب والحقيقي للحكومة لأن عليها أن تكبح جنون الأسعار من جهة وأن تشيع حالة من الرضا والانتعاش من جهة أخرى.

الاستحقاق الثاني يتمثل في الكيفية التي ستدير الحكومة وفقها الملف الأمني، في ضوء تصاعد المظاهرات والمسيرات المطالبة بالإصلاح ومحاربة الفساد عبر معظم المحافظات. لقد اجتاز الأردن حتى الآن اختبار الربيع العربي بنجاح مشهود؛ حيث استطاع -حكومة وشعباً- أن يحافظ إلى حد بعيد على معادلة الاستقرار من جهة واحترام الحق في التعبير السلمي عن المطالب السياسية والاقتصادية من جهة ثانية. وحيث أن المطالبة برحيل الحكومة وحل البرلمان على خلفية تسريع الإصلاح والبت في ملفات الفساد قد تشهد تصاعداً وزخماً شعبياً، فإن الاستمرار في المحافظة على معادلة الاستقرار واحترام الحق في التعبير السلمي سوف يكون المختبر الأقسى للحكومة التي راكمت دون ريب العديد من التجارب والدروس والعبر في ضوء الحراك الشعبي الأردني وفي ضوء الحراك الثوري العربي.

الاستحقاق الثالث يتمثل في كيفية إدارة الملف الإعلامي وطنياً وعربياً ودولياً، وليس سراً أن هناك حالة من التفاوت غير المبرر في وتيرة الأداء الإعلامي الرسمي إلى درجة تثير حنق كل مواطن غيور وكل إعلامي مخلص، وعلى امتداد سبعة شهور من الزمن العربي الجديد فقد لاحظنا كما لاحظ كثيرون غيرنا أن الأداء الإعلامي الرسمي قد اتسم بالتردد وبالحذر الشديد بدلاً من المبادرة واستباق الحدث، ومن المرجح أن كثيراً مما ضخم داخلياً وخارجياً ما كان له أن يبلغ ما بلغ لوأن الملف الإعلامي أدير بعيداً عن سيكولوجية الدفاع والشعور بالذنب أحياناً.

ولعل الدرس الذي ما زلنا نحاول استخلاصه في ضوء (طابق الكازينو) يصلح دليلاً دامغاً على أن المبادرة والمبادأة هي ابرز سمات الإعلام الفعال الإيجابي، وأن النكوص والتخوف الزائد من الخسائر لن يؤدي إلا إلى خسائر أكبر، فإلى متى سنظل نراهن على أن إشراع نوافذ الصحف اليومية يمكن أن يعوّض الخلل المزمن في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون؟!.