النقص الفاضح والنهج الواضح



التعددية السياسية من ضرورات التطور الإنساني والسلم الأهلي والنزاهة والشفافية والعدالة والمواطنة والحاكمية الرشيدة.
وتعبر التعددية السياسية عن نفسها بتنظيم طاقات المجتمع في إطارات وحلقات وصيغ، تكفل تمثيل المجتمع والتعبير عن إرادة طبقاته وفئاته وجماعاته، والعمل من أجل تحقيق مصالح تلك الجماعات.
التعددية السياسية تتحقق ويتم التعبير الأمين عنها، في الأحزاب السياسية، وليس من خلال الشعارات والخطابات والنوايا المطرزة على الورق. وكذلك ليس عبر الأحزاب المخلَقة والمُصنَّعة او أحزاب الجهة او الطائفة اوالمهنة.
عاين مجتمعُنا الأحزابَ الايدولوجية في الخمسينات والستينات والسبعينات، تلك التي حملت برامجَ ومهام وأعباءً جساما، اكبر من طاقاتها، كالتحرير والوحدة العربية والاشتراكية او الحياة الفضلى، فناءت تحتها وتداعت، ووصلت الى نهاياتها المأساوية الناجمة عن ارتباطها الاوامري بالخارج، حيث إنها كانت فروعا و لم تكن اصولا.
وعاين مجتمعنا الأحزابَ البرامجية في الثمانينات والتسعينات، تلك التي لاقت قبولا نخبويا ومناطقيا، لكنها سرعان ما خبت وتداعت وتقصفت، بفعل القصف والضربات المنهجية والاستهداف الامني المضاد الضاري، الذي لم يقبل ممثلا شعبيا يكون «نديدا» له او رقيبا عليه او قوةً تحاسبه.
ما هي داعش؟ داعش تنظيم.
ما هي القاعدة؟ القاعدة تنظيم.
ما هي جبهة العمل الإسلامي؟ الجبهة تنظيم.
ما هي المخابرات المركزية او البريطانية او الأردنية او المصرية او المغربية او الإماراتية او الألمانية او الفرنسية او الروسية او الإيرانية او الصينية او الإسرائيلية ؟
انها كلها تنظيمات.
وما هو بدهيٌ وواضح، هو انك لا يمكن ان تكون قويا ومؤثرا وفاعلا، ان لم تكن منظما. أي ان لم تكن في تنظيم. وبعبارة أخرى، لا يمكن لك ان تحقق نتائج افضل، ان لم تكن منظما في عملك وحياتك.
على امتداد الثلاثين سنة الماضية، فشلت كل محاولات بناء حياة سياسية طبيعية معافاة، بسبب استمرار الدعاية المضادة وإرث «إن الأحزاب هدامة» وعدم نضج الفكر السياسي الأردني ولأن بناء الحزب يحتاج إلى سنوات طويلة وليس الى قرارات مكتبية. وتم تشويه تلك المحاولات الهشة الركيكة الفجة، والدفع بصنائع و«مطايا»، لتخليق أحزاب سياسية وتصنيع نخب كاذبة، لم و لن تصمد طويلا امام الضوء والنور والتجربة والتعبير الأمين عن مصالح المجتمع.
حسنا. لدينا جهاز مخابرات صلب خبير هو «شعر شواربنا» وموضع ثقتنا واعتزازنا، ولدينا قوات مسلحة محترفة ومدربة وكفؤة هي نوماسنا وفخرنا، فهل كفى ما هو ملموس ومحسوس لمواجهة ما هو هلامي وزئبقي كتنظيمي داعش والقاعدة او ما ستخرج به تلك التنظيمات المدحورة بعد عشر سنوات. هل يمكن ذلك بدون رديف شعبي اصيل حقيقي، يساند ويعاضد ويكون حيث لا يمكن ان يكون غيره، ويخوض معارك فكرية وثقافية لا يمكن ان تخوضها قوى غيره؟!
اذا كان من مقتضيات الحقبة السابقة القديمة، ان لا تنشأ لنا احزاب بكامل عافيتها وامتدادها، وان يشملها التقييف والتنحيف، فلا اظن ان المصلحة الوطنية في الحقبة «الجديدة» تشهد مثل تلك المقتضيات الان. بعد كل هذا الرشد الشعبي وبعد كل هذا القبول بالنظام السياسي الهاشمي، الذي لا مثيل للرضى عنه في معظم دول العالم.
مطلوب مناقشة إعادة النظر في شروط ترخيص الأحزاب السياسية للانتقال من عدد 150 عضوا الى 1500 او 5000 عضو.
ان الأحزاب السياسية الطالعة من إرادة الناس، هي ضرورةُ امن وطني. وقاعدةٌ للوحدة الوطنية. وكشافٌ ساطع ضد الفساد. والأحزاب السياسية تنتج مجلس نواب دون اللجوء الى المال السياسي.
dnshme@hotmail.com