السياحة الداخلية للمواطن الطفران
السياحة الداخلية للمواطن الطفران
اقترحت علي الليدي أم عفاش وأولادي بعد اجتماع مطول على المائدة الأرضية على صحن فول وفحل بصل بلدي،،،وخمس حبات فلافل ورغيف خبز طابون،،، لرحلة بحرية لمدينة العقبة الأبية فوافقت على مضض من شدة الطفر والقهر،،، وكنت قد ادخرت مبلغ بسيط لأي ظرف طارئ وأخذت سلفة شهرية ليتسنى لهذه العائلة المقهورة مشاهدة البحر ولو عن بعد ويشتموا عطور الدنيا بربوع الوطن الحنون،،، وأخذنا كل ما يلزم من غيارات ومناشف وزعانف بحرية ونظارات شمسية وظليتني أزمر (بيب بيبي بيب) عشان كل الجيران يعرفوا أنه رايحين رحلة على البحر وصلنا بداية الطريق الصحراوي وما شاء الله على الاستراحات اللي بتقرف شاي وقهوة مغشوشة قال العميد لا نظافة ولا مواصفات وأسعار بتكوي مثل النار،،،، ولم تفلح زوجتي باقناعي بشراء باكيت شيبس ولا حتى فنجان قهوة مغشوشة. وسرت كالمشردين بالصحراء وأكلنا أول مخالفة سير من الدورية والله يسامحهم فكرتهم مسلحين أو قطاع طرق وكأنه (كلاشنكوف) يحمل كاميرا بالنزول الله وكيلكم،،،ومتخفيين حاولت إقناعهم بسيارتي الكرتونية بأنها عاجزة عن قطع هذه السرعة الجنونية وخوفا من حجز سيارتي وخجلي من أولادي وخصوصا بنتي لأنها صارت صبية دفعت مكرهاً عشرين دينار وبقى معي مية
ومين يعطيني يا ولاد شربة ميه نشف ريقي .وساعتها عرفت ليش شهيتي سكرت وسندويشات المرتديلا والجبنة البيضة المغلية وقعت على الأرضية. وبديش احكيلكم شو صار بالنظارة الشمسية ومشينا شوية شوية بلاش نوكل مخالفة ثانية على السرعة الجنونية.
وواحد من الأولاد صار بدوا يروح على حمامات عمومية ومن شدة وضعه الصعب خليته يعملها وراء صخرة مخفية ومشي الحال. وبدأنا بنسيان تلك المخالفة اللعينة وبلشنا نشعر بالتعب وحاسس بنهاية هالنزول بوجود شرطة متخفية . يا لحظي السعيد كانت سرعتي 70 بالمية ولا أظن ممكن حتى يوقفني والله يسامحة كأني أنا الوحيد اللي بالطريق الصحراوي.
وطلب مني إبراز رخصتي وكنت سعيدا لهذا الطلب فأنا شديد الحرص على الترخيص ولكنه بدأ يحرر مخالفة بسرعة جائع يركض وراء دجاجة بلدية وكنت قد أصبت برجفة وبردية. وتمنيت أبوس ايده بس ما في فايدة إلا بمخالفة تأديبية لعدم وضعي حزام الأمان وكان يتوجب علي دفع عشرة دنانير إضافية وهذه هي ثاني مخالفة مرورية وتبقى معي من النقود تسعون دينارا . وفي هذه الأثناء عملت على إيجاد طريقة جهنمية وإغلاق كل الفرص أمام الدوريات الخارجية.فقمت بالمشي بسرعة خمسين ك م. في الساعة وربط أولادي بحبال الغسيل بالمقاعد الخلفية وربطت زوجتي من رقبتها ليشاهدوا حزام الأمان عن بعد وبعد مضي ساعة كاملة من السير وجدت سيارة دوريات خارجية وبهذه الإثناء بدها تصيبني جلطة دماغية والحمد لله كانوا منشغلين بوجبة الغذاء ولما شافوني مربط من جميع الجهات القوا علي فقط التحية وبدأت معنوياتي ترتفع شويه وزوجتي(أم عفاش) زبطت قعدتها وفتحتلي علبة بيبسي.وأسمعت صوت من أسفل السيارة وكان (البنشر اللعين) وقلنا يا معين نزلنا الأولاد من السيارة وبلشوا يلعبوا (فطبل) ولاد المحترم وأنا عبيت وجهي شحابير من البنشر اللعين وكنت قد أعلنت انتهاء حالة الطوارئ والعودة للمقاعد الخلفية مع مراعاة ربط الأحزمة عفوا حبال الأمان.وكنت قد وصلت إلى الطريق المؤدية للبتراء العظيمة وهنا شعرت بالسعادة المطلقة لقرب وصول الرحلة (يا غافل الك الله رقم 545)ولوجود مطبات هوائية بمنطقة قريبة بوادي رم السيارة بلشت تطير لحالها وكأني شعرت وقتها برغبة في التحليق و الطيران وقمت بإخراج يدي من الشباك للشعور والاستمتاع برائحة الصحراء الأردنية.وقبل أن أكمل النزول الصعب لوادي رم كانت هناك أيضا دورية رادارية وبسرعة جنونية خففت السرعة وأغلقت كل الشبابيك ليعتقدوا بأن سيارتي مكيفة على أي حال نفدنا من الدورية لأنهم كانوا بخالفوا بشاحنة عمومية.وطبعا أولادي طلعت ريحتهم من الحر وعدنا بفتح الشبابيك مرة أخرى لتردي حالتهم الصحية. وقبل وصولي للعقبة بشوية..سيارة مش متأكد (خليجية ولا سياحية)تقذف بزجاجة وسكية أو غازية مش متأكد كمان المهم كل الميناء سمعوا صوت البريكات اللي بتصفر وكان الزجاج الأمامي قد انكسر من جهة (أم عفاش) الله ستر بهذه اللحظة التاريخية شافوا ولادي البحر عن بعد وأصروا لمشاهدته عن قرب ووضع أرجلهم بالمياه ولأول مرة بالتاريخ وقلت لهم بعد وجبة الغذاء وحجز شقة بنغير الملابس وبنزلكم على البحر. يا لسعادة أطفالي على هذه الرحلة الخرافية وكان.(أبو شخة عفاش) جايب كاميرا لصاحبه وبلش ياخذ صور لبنات لابسين (ميوهات) عشان يجاكر صحابه بالكلية الله ستر الجماعة أجانب ولا كان صار الدم للركب.على أي حال حان الآن اختيار الشقة والحارة وقد أخترت الحارة العاشرة لأنها ارخص لتعويض المخالفات المرورية وكانت (أم عفاش) ذوقها مميز واختارت شقة بثلاثين دينار بالليلة وقلت بعقلي ليلة وحدة كفاية عشان نقدر نطعمي الأولاد أكلة صيادية واتفقنا على المبلغ وكان يتوجب علي الدفع مسبقا للمعلم حسنين صاحب الرائحة العرقية المجنونة وعشان استنشقت ريحة عرق أكثر من اللازم فكرت بإنهاء هذه الصفقة التاريخية وقمت بإدخال يدي لجيبي لدفع المبلغ ....وبدأت أنظر حولي وشوي رايح أبكي المحفظة وقعت أكيد لما كنت بغير (السبير اللعين) والله من عمية ضوي ما حسيت المهم حسنين أبو رطة بفكرني حرامي وقال لي بطلبلك الشرطة السياحية .قلت بعقلي الله يقطع حظي النحس وقلت للأولاد الي قرايب بالمنطقة الصناعية بناخذ منهم حق البتزين وبعين الله.وبهذه الأثناء اعترفتلي (أم عفاش) مخبيه 15 ليرة كانت قد سرقتهم مني قبل شهر من جيبة البنطلون وقت النوم.وبرشة جريئة من قلب مجروح ينتابها الندم الشديد أعلنت (أم عفاش) تبرعها السخي بهذا المبلغ ومن مالها الخاص و الحر لهذه الرحلة المكوكية وشرطها الوحيد النوم في السيارة للغد لإطفاء البسمة على وجوه أولاد (.......) ولم أستطع الممانعة عشان عيون أم عفاش والأولاد.وتوجهنا ليلا لشاطئ اليمنية بعد شراء دجاجة بلاستيكية مشوية وعشرة سندوتشات فلأفل بشطة (الحشرات بهذيك الليلة ما قربت علينا من الروائح الكريهة) والمعدة الله لا يردها المهم ينبسطوا الأولاد والحمد لله (أم عفاش) شاطره وكانت جايبه الببور وركوة القهوة وكانت سهرة جدا رومانسية وتذكرنا شو صار معنا بالرحلة والظروف الصعبة وإصرارنا نبسط الأولاد وشعرنا بنعاس شديد من شدة التعب فذهبنا لفندق خمسة نجوم طبعا سيارتي ال (الفولكس واجن) ومع سحر البحر ورائحته الزكية وتكسر أمواجه على شقائنا، نمنا نومة هنية. وصحونا باكرا كالمجانين على أنغام أصوات باصات الرحلات الجماعية.ووجود أكثر من ألف وميه من المتنزهين القادمين من عمان كنت قد استنشقت كيلو غرام من الديزل المحروق غير الصدف اللي لقيته على وجهي والله لا يورجيكم وجه (أم عفاش) ساعة الصبحية مثل الغوريلا اللي ماكلة أولادها والمشكلة ما غسلنا وجهنا لأنه أصلا ما في معنا ميه.واقترحت علينا.(الليدي أم عفاش)بالذهاب لمطعم فول وحمص وفلافل طبعا بوسط البلد وكان شكلنا جاي من العصور الجاهلية.وما بتعرف توكل أم عفاش إلا بشرب كاسة شاي بميرمية وهون بلشت أكره حالي وكرهت (أم عفاش) والأولاد وكل الناس اللي كانوا بياكلوا مثل المشردين والحرامية . وكرهت (أم عفاش) أكثر لما قالتلي بدها تشتري (مخلوطة) من محمص الشعب الشهير بالعقبة لدار أخوها...قلبت صحن الفول وناولتها خماسية ولولا الله والموجودين لكنت عملتها (كفته بطحينية) لأنها صاحبة الفكرة الجهنمية والرحلة المكوكية وأخذت قرار نهائي بحزم الحقائب عفواً الأكياس البلاستيكية المعدة للنفايات والبدء للعودة والهبوط. الاضطراري إلى عمان وأخر سبعة دنانير من الحرامية (أم عفاش) عبينا فيهم بنزين خالي من الرصاص وكان نفسي يكون فيه رصاص عشان أطخ المره والأولاد وأخلص...وبدأنا بالتوجه لعمان ونفسها (أم عفاش) مفتوحة للدجاج المشوي وبقول بنفسي اللهم طولك يا روح وطبعا ماشي شوية شوية خوفي من الدوريات الخارجية (وبحل الغيارات العكسية وبنوتر)لتوفير البنزين المتبقي وبنصف الطريق بلش النكد والجمل الاستفزازية بالقول(قال وداناا عالبحر ورجعنا عطشانين)وكمان شوية ( الله يقطع هيك رحلة)وشوية بتحكي (شو بدي أقول لأخوي عالمخلوطة ) اللي وصاني عليها......وبهذه الأثناء اقتربت مني شاحنة تحمل رمل أبيض والله لا يسامحه (لز) علي وطارت السيارة على الجزيرة الوسطية وصابني شبه شلل دماغي وبطلت عارف شو أحكي وشو أعمل بالمصيبة . وأجانب كانوا من هواة التصوير لغرائب وعجائب الكون... الله يسامحهم أخذوا إلي صورة تذكارية لأول سيارة طائرة خارج المنظومة الفلكية.
وبصوت مرتفع وصرخة جنونية (صمتت دهر ونطقت كفر)
وقالتلي الله يعمي ظّوك مش شايف قدامك كان رحنا فيها...مش حابة أموت بعدني صبية .....
فقلت لها في الحال الكلمة اللي بستناها وأتمناها منذ ثلاثة وعشرين عاماً ونيف (أم عفاش أنت طالق طالق طالق بالثلاثة) ويلعن أبو الساعة اللي اشتريت فيها سيارة واليوم اللي قلت بدي أشوف البحر.
هاشم برجاق
الموقع الرسمي للكاتب