الملك يغيب عن كلمة ترمب .. وباريس تدافع عن نووي إيران .. وواشنطن قيّمةً على مصالح الخليج
أخبار البلد – سعد الفاعور
بدا كما لو أن الملك عبدالله الثاني، قد آثر عمداً التغيب عن كلمة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي جاءت تحت عنوان "مؤتمر إصلاح الأمم المتحدة" فأوعز إلى وزير خارجيته أيمن الصفدي تمثيل الأردن في اللقاء!
الملك، اكتفى بعقد لقاءات ثنائية مع عديد من قادة دول العالم، وهو ما يعني أن الغياب عن كلمة ترمب لم يكن محظ صدفة، بل مخطط له. فهل يشي ذلك بأن ثمة فتور يطوق العلاقة بين الرجلين؟ لا يمكن الجزم بذلك، خاصة وأن الملك راهن قبل سفره إلى نيويورك، على موقف سياسي ودبلوماسي متطور تتبناه إدارة ترمب بشأن الحل النهائي للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. لكن ذلك لا يسقط أن الأمور قد يكون طرأ عليها بعض التبدلات، أو ربما أن الملك لم يرد أن يلتقي بشكل عارض وسريع مع الرئيس ترمب، في ظل أجندة الأخير المزدحمة، ويسجل لقاء عابر بين الرجلين في أزقة "البيرو" الأممي، على أنه لقاء عمل ثنائي، يسقط أي حاجة للقاء مطول ومخصص بين الملك ورئيس الولايات المتحدة.
الملك، يشغله ثلاثة ملفات مؤرقة، وهي: المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية المتعثرة، وضرورة تدخل واشنطن بكامل ثقلها لوقف الاستيطان، وإجبار نتنياهو على القبول بحل الدولتين في إطار المفاوضات الثنائية ومخرجات اتفاق السلام الفلسطيني – الإسرائيلي، فالملك دائماً يكرر أن السلام الفلسطيني – الإسرائيلي، مصلحة أردنية عليا.
الملف الثاني: هو الوضع الاقتصادي الحرج الذي يعيشه الأردن، والذي يتطلب عملية إنعاش فورية، لتمكين الإدارة الاقتصادية الأردنية من ولوج عنق الزجاجة، دون أي مضاعفات تربك تفاهمات عمّان مع البنك الدولي، فالأردن كما يكشف مسؤولون حكوميون وخبراء في فريق المفاوضات الاقتصادية، قطع شوطاً مهماً في الوصول إلى "نقطة التوازن" التي يصر عليها البنك الدولي، والتي تعتبر خريطة طريق لتحقيق الإصلاح المنشود، والتخلي عن الأردن الآن، سيهدم كل ما تم إنجازه، و"نقطة التوازن" التي تم الوصول إليها، ربما تتلاشى كفقاعة في ظل مخاوف من انفجار حاد للشارع.
الملف الثالث: الأكثر حساسية، ويتعلق بأمن الحدود، وعملية "تسييل" العصابات المسلحة التي كانت تحارب ضد الجيش العربي السوري، داخل الأراضي الأردنية، دون أن يعرف أين وكيف سيتم تسييل هذه العصابات. وهل سيتم استيعابها ضمن ثكنات عسكرية في قواعد صحراوية، أم سيتم حلها، ووضع عناصرها وخاصة قادتها من الصف الأول، تحت المراقبة الأمنية الحثيثة. إلى جانب طبعاً الخطر الناجم عن مخاوف من حدوث اختراقات لتنظيم "داعش" الإرهابي وتنفيذه عمليات انتقامية بالعمق الأردني.
هذه الملفات، شائكة وصعبة، والملك لا يمكن أن يغامر بمصافحة عابرة مع ترمب، على هامش "مؤتمر إصلاح الأمم المتحدة"، حيث لن يتاح الوقت اللازم لمناقشة كل هذه الملفات، ولذا فإن مستشاري الملك أوصوا بأن لا يحدث أي لقاء عابر مع ترمب، حتى لو اضطر الملك للعودة إلى عمّان دون أن يلتقي ترمب في البيت الأبيض لمناقشة هذه الملفات، وتعويض ذلك، بالتواصل عبر القناة الملكية وعبر قنوات أخرى رديفة وموازية مع البنتاغون والخارجية وجماعات الضغط والمصالح النافذة في مجلسي الشيوخ والنواب.
ترمب، الذي أراد استغلال الحدث، لإعادة صياغة إطار جديد للمنظمة الدولية، يجعل منها غطاءاً قانونياً للسياسة الأميركية الجديدة والمختلفة بالكامل في العهد الجديد، بدا أنه أكثر اهتماماً بالدفاع عن مصالح الحلفاء في الخليج، وخاصة السعودية والإمارات، فالرجل ركز بشكل فاضح على الملف النووي الإيراني، ووصف الاتفاق النووي مع طهران بـ "المعيب"، ملوحاً بالتخلي عنه وكأنه لم يكن.
ترمب، كما تشير المعطيات، على استعداد للذهاب في هذا الاتجاه إلى أبعد مدى، فهذا يحقق لإدارته مصالح عليا كثيرة، فإلغاء الاتفاق النووي، سيشعل من جديد صراع التسلح بين قطبي ضفتي الخليج الفارسي _ بحسب أدبيات الإدارات الأميركية المتعاقبة – وسيشعر إيران بخطر كبير يدفعها نحو المزيد من التسلح والتصعيد في إطار الأبحاث النووية وصناعة الصواريخ، وهذا سيحقق فائدة قصوى لإدارة ترمب، التي تريد تنشيط مجمع الصناعات العسكرية الأميركية وزيادة مبيعاته، وإنعاش عقود الصيانة والتدريب التي تعني خلق عشرات آلاف الفرص الوظيفية لجنرالات وجنود أميركيين قدامى وحاليين سيتم إيفادهم إلى السعودية والإمارات في إطار التدريب على الأسلحة الجديدة، وفي إطار عقود الصيانة للطائرات والسفن والدبابات وناقلات الجند وغيرها من منظومات الرادار والصواريخ.
نفس المخطط، يجيد الرئيس ترمب، تنفيذه لكن هذه المرة، ما بين الدوحة، وما بين الرياض وأبوظبي، فهو مرة يلقي بثقله لصالح طرف على حساب آخر، ثم يعيد تبديل موقفه، بالتلاعب بالتصريحات، مما يجعل كل عاصمة من العواصم الثلاث، تتسابق على عقد المزيد من صفقات التسلح، لتظهر لإدارة ترمب، أنها الأحق بلقب "الحليف" الجدير بالحماية الأميركية!
على ذات المنوال، يتنافس الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، مع نظيره الأميركي، لكن في منطقة أخرى، لا تخضع نهائياً للسيطرة الأميركية، وهي الضفة الأخرى من الخليج، حيث تطمح فرنسا إلى حصد أكبر عدد من الجوائز، بعد رفع العقوبات الاقتصادية عن طهران، لتكون أكبر مصدر لطائرات الإيرباص، حيث يعاني الأسطول الجوي الإيراني، من تواضع شديد، إلى جانب إعادة إنعاش وإحياء العديد من الاستثمارات الصناعية والتجارية الفرنسية الإيرانية المشتركة، وأهمها مصانع السيارات (رينو، وسيتروين وبيجو) فضلاً عن دخول عملاق صناعة النفط والغاز الفرنسي (توتال)، وعملاق صناعات التعدين والاسمنت والبوتاس والفوسفات (لافارج) بالإضافة إلى مستثمرين في قطاعات الزراعة والصناعات البتروكيماوية والطبية إلى السوق الإيرانية، حيث تحتاج إيران إلى تكنولوجيا الغرب لتطوير حقولها النفطية والغازية، والتي حرمت من استغلالها على الوجه الأمثل طوال سنوات الحصار الخانق التي نافت عن ثلاثة عقود، كما تحتاج إلى تنشيط صادراتها ووارداتها الزراعية والطبية والبتروكيماوية، والنافذة الأهم المرشحة للعب هذا الدور ومد طوق النجاة إلى إيران صوب أوروبا الغربية هي باريس!
الصورة، تبدو مزدحمة في التفاصيل، والأولويات لدى الأطراف المختلفة تبدو أيضاً متباينة، لكن هذا لا يلغي أن طهران، التي تغري باريس، بوعود جذابة من الاستثمارات العملاقة التي ليس لها آخر، تفرض شروطها أيضاً.
مثال ذلك، أن الرئيس الفرنسي، لم يكتف بالتحذير في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة من "أن انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني يعتبر خطأً جسيماً"، بل ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، بقوله: "إن تغيير النظام السوري ليس أولوية، والأولوية هي للمفاوضات والحل السلمي، وتغيير القيادة السورية أمر يترك للشعب السوري"، وإن كان قد حاول تلطيف هذا التصريح، عبر توجيه اللوم للنظام السوري، ووصفه بأنه "ارتكب جرائم حرب" لكن المراقب يدرك أن هذه اللغة، كانت هي السمة السائدة والغالبة على الخطاب الرسمي الفرنسي طوال ست سنوات خلت، ومن الصعب على ماكرون الذي انتزع مقعده في الشانزليزيه منذ عدة شهور أن ينقلب بشكل مغاير تماماً على سياسات من سبقوه!
هذا الموقف، يندرج دون شك، ضمن حزمة المنافع السياسية المتبادلة بين طهران وباريس، وهو ما يدفع باتجاه التساؤل عن السبب في الضعف العربي المحير والمربك، والذي لا يستطيع أن يستثمر ما بيديه من أوراق قوة، لكي يأخذ كما يعطي في علاقته مع واشنطن، حيث تبدو التبعية العربية معيبة ومذلة، ولا ترتكز إلى قيم الندية في العلاقات الثنائية بين الدول!